ألقاب المشتغلين بالحديث
مدخل
...
"ألقاب المشتغلين بالحديث":
الراوي: أو "المسنِد" هو ناقل الحديث بالإسناد سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية.
طالب الحديث: هو المشتغل بدراسة الحديث رواية، ودراية، وشرحا، وفقها.
المحدث: من تحمل الحديث رواية, واعتنى به دراية بأن يحفظ المتون ويكون عنده علم بالرجال وتواريخهم وجرحهم وتعديلهم. "الحافظ": هو من روى ما يصل إليه، ووعى ما يحتاج إليه أي بأن يكون ما يعلم من الأحاديث والرجال أكثر مما يجهله, وقال بعضهم تحديدا له بالعدد هو من أحاط علمه بمائة ألف حديث.
الحجة: أرفع درجة من الحافظ. وقال بعضهم: هو من حفظ ثلثمائة ألف حديث بأسانيدها.
الحاكم: هو من أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية متنا وإسنادا وجرحا وتعديلا وتاريخا وعللا، وغريبا، وناسخا ومنسوخا، وتوفيقا بين ما ظاهره التعارض إلى نحو ذلك.
"من مفاخر المحدثين":
ولا تستكثرن أيها القارئ هذا فقد كان أئمة الحديث وجهابذته في العصور الأولى يحفظون ذلك وأكثر منه, روي عن إمام الأئمة البخاري أنه كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح. ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال الإمام في شأن صحيحه: صنفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال أبو داوود: "كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن".
وقال إمام أهل السنة أحمد بن حنبل: "انتقيت المسند من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث".
وسئل الإمام أبو زرعة1 عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة
__________
1 بضم الزاي وهو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروح القرشي مولاهم الرازي الحافظ الثقة المتوفى سنة أربعة وستين ومائتين.
يحفظ مائتي ألف حديث هل يحنث؟ قال لا. ثم قال أحفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الإنسان سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وفي المذاكرة ثلاثمائة ألف حديث إلى غير ذلك من النقول التي رويت عن غير هؤلاء من أعلام المحدثين والفقهاء1.
__________
1 تدريب الراوي ص4، 5 ط أولى.
"الحفظ والفقه للأحاديث":
ومما ينبغي أن يعلم أن أهل العصور الأولى من المحدثين كانوا يجمعون إلى الحفظ الفقاهة والفهم، والعلم بالعلل والرجال، والناسخ والمنوسخ وأن منهم من مزج الحديث بالفقه والاجتهاد في الأحكام. كما صنع البخاري في تراجمه وتبويب كتابه. والإمام مالك في موطئه. والترمذي في سننه. ومنهم من لم يصنع ذلك اقتصارا على المتون والأسانيد لا عجزا ولا قصورا في الفقه والفهم بل اقتصارا على الجمع، وذلك كما صنع الإمام مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه وغيرهم كثيرون.
وأما ما يتقول به بعض المغرضين على أئمة الحديث. وأنهم كانوا زوامل أسفار لا يعلمون ما يحملون, فهذا الوصف أبعد ما يكون عن أهل القرون الأولى الذين جمعوا الأحاديث والسنة ودونوها في الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع, وهذا النوع من المحدثين الذين جعلوا همهم الحفظ فقط إنما كان في العصور المتأخرة ممن لا عناية لهم بالفقه والدراية والتحقيق وهم الذين عناهم الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "صيد الخاطر" والتاج السبكي في بعض كتبه1.
__________
1 المرجع السابق ص6 الأولى.
"فائدتان":
"الأولى": ما نقلته عن العلماء في بيان من هو المحدث والحافظ والحجة ... إنما هو باعتبار أزمانهم وعصورهم الأولى. أما في عصورنا هذه فينبغي التسامح في ذلك. وإلا فإننا لا نجد من ينطبق عليه وصف المحدث فضلا عن غيره من الألقاب ومن قبل لاحظ بعض الأئمة عزة من يطلق على هذه الألقاب فما بالك بعصرنا هذا1 وغاية المحدث في عصرنا "إن وجد" أن يحيط بعلم الحديث رواية, والقدرة على البحث والتفتيش عن الرجال وجرحهم وتعديلهم من بطون الكتب, وقراءة الكتب الستة والموطأ والمسند والمستدرك وسنن الدارقطني والبيهقي ونحوها, وكثرة المداومة على قراءة هذه الكتب, والبحث والتفتيش حتى تتكون عنده ملكة بالعلم بما فيها, بحيث يتمكن من استخراج أي حديث منها إذا أراد, والعلم بمعظم الأحاديث فقها وغريبا.
ولا أدري ما إذا كان يوجد في عصرنا هذا من يستأهل لقب المحدث مع التسامح أم لا؟ لقد أصبح لقب المحدث يمنح لمن دون ذلك بكثير.
"الثانية": قد يقول قائل: إن ما ذكرته عن الألوف المؤلفة التي كان يحفظها الأئمة الكبار وما نقل عنهم في هذا لا يصدقه المدون في كتب الحديث على كثرتها. فإن ما يوجد فيها من الأحاديث المرفوعة لا يبلغ عشر هذا المقدار.
والجواب: أنه ليس المراد بهذه الألوف أنها كلها أحاديث متغايرة, كما هو الظاهر, وإنما يدخل في هذه الطرق المتعددة للحديث الواحد فقد يروى الحديث الواحد بعشرة أسانيد, وما هي في الحقيقة والواقع إلا طرق لحديث واحد, فيتخير أي إمام منها أصحها وأوثقها في نظره, ويدع ما عدا ذلك, وقد يكون فيما ذكره ما ليس صحيحا عند غيره.
__________
1 المرجع السابق ص7. ومن 7-9 الطبعة بتحقيق وتعليق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف.
وقد يكون فيما يتركه ما هو صحيح في الواقع, وأيضا يدخل في هذه الألوف آثار الصحابة والتابعين وغيرهم, وهذه الآثار تعتبر من الأحاديث عند كثير من المحدثين وما أكثر ما روي من الآثار, فكن على ذكر من ذلك حتى لا يلتبس عليك الأمر، وحتى تدفع تشكيكات المشككين في السنن والأحاديث.
الوَسيط في عُلوم ومُصْطلح الحَديث
محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ)