وقال الليث: حدَّثَنِي يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن الحضير قال: بينا هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشفق أن يصيبه، فلما "أخرَّه"1 رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حَدَّثَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير" , قال: فأشفقت أن تطأ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظُّلَّةِ فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال: "وتدري ما ذاك" ؟. قال: لا، قال: "تلك الملائكة دَنَتْ لصوتك، لو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم" . قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد الخدري، عن أسيد بن الحضير.
هكذا أورد2 البخاري هذا الحديث معلقًا، وفيه انقطاع في الرواية
__________
1 كذا وقع في "أ"، وكتب بخط دقيق جدًّا في "جـ", ونَصَّ الحافظ في "الفتح" "9/ 64" على أن هذا اللفظ وقع في رواية القابسي, ووقع في "الصحيح": "اجتره"؛ يعني: جرَّه عن المكان الذي هو فيه، خشية أن تطأه الفرس, ووقع في "جـ" و"طـ": "أخذه" ولم ينبه عليها الحافظ في "الفتح"، فالله أعلم.
2 في "فضائل القرآن" "9/ 63".
وقد صرَّحَ الإسماعيلي في "المستخرج"، والضياء في "المختارة"، والحافظ في "الفتح" أن الإسناد منقطع بين محمد بن إبراهيم التيمي وأسيد بن حضيبر، وعندي أن البخاري خَرَّجَ هذا الإسناد عرضًا لأجل الإسناد الموصول الذي ذكره في آخر الحديث، لذا فالتعويل على الإسناد الموصول، كما قال الحافظ وغيره, وقد أخرجه الطبراني في "الكبير" "562" من طريق محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن محمود بن لبيد، أن أسيد بن حضير، فساقه. فهذا يؤيد الانقطاع.
الأولى، فإن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني تابعيٌّ صغير، لم يدرك أسيدًا؛ لأنه مات سنة عشرين، وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما، ثم فيه غَرَابَةٌ من حيث إنه قال: وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد، ولم أره بسند متصل عن الليث "كذلك"1 إلّا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في "الأطراف" أن يحيى بن عبد الله بن بكير، رواه عن الليث كذلك.
وقد رواه الإمام2 أبو عبيد في "فضائل القرآن" فقال: وحدَّثَنَا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أسيد بن حضير، فذكر الحديث إلى آخره.
ثم قال: قال ابن الهاد: وحدثني عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد، عن أسيد بن حضير بهذا.
وقد رواه ....................................................
__________
1 في "أ": "بذلك".
2 "ص26".
وأخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 84"، وأبو نُعَيْم في "المعرفة" "876"، وفي "الدلائل" "502"، والحافظ في "التغليق" "4/ 387" من طريق يحيى بن بكير، حدَّثَنا الليث بن سعد بسنده سواء.
النسائي1 في "فضائل القرآن" عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن شُعَيْب بن الليث، وعن عليٍّ بن محمد بن عليّ، عن داود بن منصور، كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد الله -وهو ابن الهاد, عن عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد، عن أُسَيْد به.
ورواه يحيى بن بكير، عن الليث كذلك أيضًا، فجمع بين الإسنادين.
ورواه في "المناقب"2 عن أحمد بن سعيد الرباطي، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، أن أُسَيْد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده... الحديث.
ولم يقل عن أُسَيْد، ولكن ظاهره أنه عنه، والله أعلم.
__________
1 في "فضائل القرآن" "41، 99", وعنه الضياء في "المختارة" "1464" من طريق سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن الهاد بسنده سواء.
وتابعه الدراوردي ويحيى بن أيوب، كلاهما عن يزيد بن الهاد مثله.
أخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "1928، 1929"، والطبراني في "الكبير" "561".
2 في "فضائل الصحابة" "رقم 140".
وأخرجه مسلم "786/ 242"، وأحمد "3/ 81" من طريق يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد أن أُسَيْدًا... وساق الحديث.
قلت: هكذا رواه إبراهيم بن سعد عن يزيد بن الهاد، فجعله من مسند "أبي سعيد" وكأن الوجهين محفوظان، قال الضياء في "المختارة" "4/ 268": "إنه بمسند "أُسَيْد" أشبه، وذلك أن في الحديث: قال: فَغَدَوْت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله! بينما أنا البارحة... وساق الحديث".
وقال أبو عبيد1: حدَّثَنِي عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالك، عن أُسَيْد بن حُضَيْر، أنه كان يقرأ على ظهر بيته، يقرأ القرآن وهو حَسَنُ الصَّوْتِ, ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه.
وحدَّثَنَا قُبَيْصَةَ2، عن حَمَّاد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أُسَيْد بن حُضَيْر قال: قلت: يا رسول الله، بينا أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها، سمعت وَجْبَةً من خلفي حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ أبا عتيك" مرتين. قال: فالتفتُّ فرأيت إلى أمثال المصابيح ما بين السماء
__________
1 في "فضائل القرآن" "ص27".
وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" "3/ 1/ 313", قال: وقال ابن يوسف، ثنا الليث، حدَّثَنِي ابن شهاب، عن ابن كعب -هو ابن مالك- أن أُسَيْدًا... فذكره.
ابن يوسف هو عبد الله بن يوسف التنيسي.
وقد رواه ابن عُيَيْنَةَ عن الزَّهريّ، عن ابن كعب بن مالك، أن أُسَيْدًا، فذكره أخرجه الحاكم "1/ 553-554" من طريق الحميدي، حدَّثَنا ابن عيينة, وهذه الرواية أرجح مما رواه عبد الله بن صالح عن الليث، حيث جعله من "مسند أُسَيْد"، وقد اختلف على الزهري في إسناده.
2 أخرجه أبو عُبَيْد في "الفضائل" "ص27".
وأخرجه ابن حِبَّان "1716"، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" "1930"، والدولابي في "الكنى" "1/ 83"، والطبراني في "الكبير" "566"، والحاكم "1/ 554"، والبيهقي في "الشعب" "ج4/ رقم 1824" من طرق عن حَمَّاد بن سلمة بسنده سواء.
ورواه عن حَمَّاد: "عفان بن مسلم، والتبوذكي، وهدبة بن خالد".
والأرض، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اقرأ أبا عتيك " , فقال: والله ما استطعت أن أمضي، فقال: "تلك الملائكة تَنَزَّلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب" .
وقال أبو داود1 الطيالسي: حدَّثَنا شعبة، عن أبي إسحاق، سمع البراء يقول: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة، إذ رأى دابته تركض -أو قال: فرسه يركض, فنظر فإذا مثل الصبابة أو مثل الغمامة، فذكر ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "تلك السكينة تَنَزَّلَت للقرآن" ، أو: "تنزلت على القرآن" .
وقد أخرجه صاحبا "الصحيح" من حديث شعبة.
والظاهر أن هذا هو أُسَيْد بن الحضير -رضي اله عنه.
فهذا مما يتعلق بصناعة الإسناد، وهذا من أغرب تعليقات البخاري
__________
1 في "مسنده" "714".
وأخرجه مسلم "795/ 241"، والترمذي "2885"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 83"، وأبو نعيم في "الحلية" "4/ 342" من طريق الطيالسي بسنده سواء.
وأخرجه البخاري "6/ 622"، ومسلم "795/ 241"، وابن قانع في "معجم الصحابة" "ج1/ ق7/ 1" من طريق غُنْدُر وابن مهدي وعفان بن مسلم جميعًا عن شعبة بإسناده سواء.
وأخرجه البخاري "8/ 586، 9/ 57"، ومسلم "795/ 240"، وأحمد "4/ 298", وابن نصر في "قيام الليل" "ص140"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 82"، والبغوي في "شرح السنة" "4/ 470" من طريق زُهَيْر بن معاوية وإسرائيل بن يونس معًا, عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء. وللحديث طرق أخرى عن أُسَيْد بن حضير، ذكرتها في "التسلية".
رحمه الله، ثم سياقه ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند القراءة.
وقد اتفق نحو هذا الذي وقع لِأُسَيْد بن الحضير لثابت بن قيس بن شِمَاس.
كما قال أبو عبيد1: حدَّثنا عباد بن عبَّاد، عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن يزيد، أن أشياخ أهل المدينة حدَّثوه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شِمَاس؟ لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح, قال: "فلعله قرأ سورة البقرة" , قال: فسُئِلَ ثابت فقال: قرأت سورة البقرة.
وفي الحديث المشهور الصحيح: "ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بُيُوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلّا تنزَّلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتْهُم الملائكة، وذكره الله فيمن عنده" .
رواه "مسلم"2 عن أبي هريرة.
__________
1 في "فضائل القرآن" "ص27".
وعزاه الحافظ في "الفتح" "9/ 57" لأبي داود، وقال: "من طريق مرسلة", وقال الحافظ ابن كثير في أول سورة البقرة: "هذا إسناد جيد، إلّا أن فيه إبهامًا، ثم هو مرسل". أ.هـ.
2 في "صحيحه" "2699/ 38" من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا مطولًا. وأخرجه الترمذي "2945"، وابن ماجه "225"، وأحمد "2/ 252، 407" وغيرهم من طريق الأعمش. وهو عند أبي داود وأحمد "2/ 252، 407" وغيرهم من طريق الأعمش, وهو عند أبي داود "1455، 4946"، والنسائي -كما في "الأطراف" "9/ 375"- مختصرًا.
وعزاه الزيلعيّ في "نصب الراية" "3/ 307" للبخاري فوَهِمَ، وقد قال الحافظ في "الفتح" "1/ 174": "لم يخرجه المصنف -يعني: البخاري- لاختلاف فيه". أ.هـ.
ولهذا قال الله تعالى: {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. جاء في بعض التفاسير أن الملائكة تشهده.
وقد جاء في "الصحيحين"1 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين نزلوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون" .
__________
1 أخرجه الباري "2/ 33، 13/ 415، 461"، ومسلم "632/ 210" من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا، فذكره, وأخرجه النسائي "1/ 240-241"، وأحمد "2/ 486"، وأبو عوانة "1/ 378"، وابن حِبَّان "1737" وغيرهم عن أبي الزناد. وللحديث طرق عن أبي هريرة.