علوم الحديث بالمعنى العام:
هذا المركب الإضافي يتكون من كلمتين:
1- علوم.
2- والحديث.
أما العلوم فهي جمع علم, والعلم يطلق على اليقين والمعرفة1, ويطلق على الصفة التي بها تنكشف المعلومات2, وعلى الملكة الراسخة في النفس التي بها الإدراك3, ويطلق ويراد به المسائل والقواعد التي تذكر في علم من العلوم4. وهذا الأخير هو المراد حينما نريد التعريف بعلم من العلوم المدونة, وأما الحديث فقد بينا معناه الاصطلاحي فيما سبق, وعلى هذا فيكون المراد بهذا المركب الإضافي: هي جميع العلوم والمعارف التي بحثت في الحديث من حيث روايته وجمعه في الكتب, أو5 من حيث بيان صحيحه من ضعيفه أو من حيث بيان رواته ونقدهم وجرحهم وتعديلهم, أو من حيث بيان غريبه أو بيان ناسخه ومنسوخه, أو مختلفه ومتعارضه, أو من حيث شرح معناه واستخراج الأحكام منه إلى غير ذلك من العلوم التي دارت في فلك الحديث الشريف, ثم تطور هذا المركب فأصبح يطلق علما لقبيا على علم الحديث دراية كما ستعلم فيما بعد ...
__________
1 هذا في اللغة انظر القاموس والمصباح المنير.
2 هذا عمد المتكلمين.
3 هنا في عرف بعض العلماء.
4 هذا في عرف التأليف والتدوين للعلوم.
5 تنبه للتعبير بأو هنا لأنها جملة علوم.
"علم الحديث بالمعنى الإضافي "أي العام":
أما علم الحديث بمعناه الإضافي قبل صيرورته علما فينقسم إلى قسمين:
1- علم الحديث رواية.
2- وعلم الحديث دراية.
"علم الحديث رواية":
هو علم يشتمل على نقل ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقية وخُلُقية. وكذا ما أضيف إلى الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم.
موضوعه: ذات النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث قوله وفعله ... إلخ, وذات الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم. قاله الكرماني في شرح صحيح البخاري "ويرى كثير من العلماء أن موضوعه: هو أقوال النبي وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلقية والخُلقية وهو الأولى، ولم يرتض الأول قال السيوطي: ولم يزل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يتعجب من قوله: إن موضوع علم الحديث -يعني رواية- ذات الرسول ويقول: هذا موضوع الطب لا موضوع الحديث.
أقول: والحق أن التقييد بالحيثية المذكورة يخرج علم الطب لأنه موضوعه ذات الإنسان من حيث الصحة والمرض، ومع هذا فالأولى أن يقال: موضوعه: أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله ... إلخ.
وفائدته: الوقوف على ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث فنهتدي بهديه ونأتسي به. وإذا علمنا أن السنة هي الأصل الثاني من أصول التشريع وأنها شارحة للقرآن ومبينة له ومفسرة له. وتزيل مشكله. وتفصل مجمله، وتقيد مطلقه, وتخصص عامه؛ أدركنا جلالة هذا العلم وعظم فائدته للإسلام والمسلمين وأنه أشرف العلوم بعد علم القرآن الكريم وأفضلها.
وغاية هذا العلم: الفوز بسعادة الدنيا والآخرة.
وواضعه: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المتوفى سنة 120هـ, وقيل الإمام محمد بن شهاب الزهري المتوفى سنة 124هـ.
ومسائله: قضاياه التي تذكر فيه مثل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ... " , فإنه متضمن لقضية قائلة: إنما الأعمال بالنيات بعض أقواله.
ونسبته: إلى غيره من العلوم الشرعية التي يجب الاعتناء بها: التباين وإن كانت لا غنى لها عنه.
وحكمه: أنه من فروض الكفاية فإذا لم يوجد في الأمة من يقوم به أثمت الأمة كلها.
واستمداده: من أقوال النبي وأفعاله وتقريراته ونحوها ومن أقوال الصحابة والتابعين وأفعالهم.
وفضله: أنه من أشرف العلوم وأفضلها إذ العلم إنما يشرف بشرف موضوعه وأشرف الكلام بعد كلام الله تعالى هو كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم.
علم الحديث دراية
مدخل
"علم الحديث دراية":
تعريفه: هو علم بقوانين يعرف به أحوال السند والمتن وموضوعه السند والمتن هكذا عرفه الشيخ عز الدين بن جماعة وغيره وقال الحافظ ابن حجر: هو معرفة القواعد المعرفة بحال الراوي والمروي1.
ويمكن أن نعرفه بتعريف أوضح فنقول: هو علم بأصول وقواعد يتوصل بها إلى معرفة الصحيح والحسن والضعيف. وأقسام كل. وما يتصل بذلك من معرفة معنى الرواية وشروطها وأقسامها. وحال الرواة
__________
1 تدريب الراوي ص5 وليس بين التعريفين فرق يذكر، لأن القوانين في تعريف الشيخ عز الدين هي القواعد في تعريف الحافظ ابن حجر والسند هو الراوي والمتن هو المروي.
وشروطهم, والجرح والتعديل, وتاريخ الرواة ومواليدهم ووفياتهم, والناسخ والمنسوخ ومختلف الحديث وغريبه إلى غير ذلك من المباحث والأنواع التي تذكر في كتب هذا الفن.
وموضوعه: الراوي والمروي من حيث القبول والرد.
وفائدته: معرفة المقبول من المردود, وتمييز الصحيح من الحسن من الضعيف.
وغايته: صيانة الأحاديث من الكذب والاختلاق وبذلك تصان الشريعة من التحليل والتحريم بغير دليل.
وواضعه: الإمام القاضي الرامهرمزي المتوفى سنة 360هـ.
ومسائله: قضاياه التي تذكر فيه كقولهم: الصحيح هو ما اتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة.
والضعيف ما فقد شروط الصحة أو الحسن كلا أو بعضا وهكذا.
ونسبته: إلى غيره من العلوم الشرعية التي ينبغي الاعتناء بها: التباين، وإن كانت لا غنى لها عنه.
وحكمه: أنه من فروض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، فإن فرطت فيه الأمة أثمت كلها.
واستمداده: من كلام أئمة الحديث ورواته, وأئمة الجرح والتعديل، وأئمة الفقه والاجتهاد المستند إلى ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
وفضله: أنه من أشرف العلوم وأجلها إذ هو يتعلق بالذب عن حديث رسول الله وسنته.
الوَسيط في عُلوم ومُصْطلح الحَديث
محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ)