تابــــــــــــــــع علم الجرح والتعديل
"بم تثبت العدالة":
تثبت عدالة الراوي بالاستفاضة والشهرة بالخير, فمن استفاضت عدالتهم, واشتهروا بالتوثيق والاحتجاج بهم بين أهل العلم وشاع الثناء عليهم فهم عدول, وذلك مثل مالك والشافعي وأحمد وشعبة والثوري وابن عيينة وابن المبارك والأوزاعي ويحيى بن معين وعلي بن المديني, ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واستقامة الأمر1 فلا يسأل عن عدالة هؤلاء, إنما يسأل عن عدالة من خفي أمره, وقد سئل أحمد عن إسحاق بن راهويه, فقال: "مثل إسحاق يسأل عنه! ". وسئل ابن معين عن أبي
__________
1 كالإمام الليث بن سعد ووكيع بن الجراح.
عبيد؟ فقال: "مثلي يسأل عن أبي عبيد أبو عبيد يسأل عن الناس", أما من ليس على هذا الحال فإنما تثبت عدالتهم بتعديل أئمة هذا العلم, ولو واحد على الصحيح, وكذا التجريح يكتفى فيه بقول واحد؛ وذلك لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر, فلا يشترط في جرح راويه ولا تعديله وذلك بخلاف الشهادة فإنه لا بد فيها في التعديل والتجريح من اثنين, وهذا ما عليه الأكثرون.
"هل يشترط ذكر السبب في الجرح والتعديل؟ ":
وقد اختلف العلماء في الجرح والتعديل هل يقبلان مبهمين من غير ذكر أسبابهما؟
فشرط بعضهم ذكر السبب في كل منهما، وشرط بعضهم السبب في التعديل دون الجرح وقيل: يقبل التعديل من غير ذكر أسباب, وأما الجرح فلا يقبل إلا مفسرا؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح وقد يجرح أحدهم بما لا يعتبر جرحا1, وهذا الرأي الأخير هو الذي اختاره ابن الصلاح والنووي وغيرهما, وذكر الخطيب البغدادي أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده.
ومن العلماء من يرى أنه لا يجب ذكر السبب في الجرح أو التعديل إذا كان الجارح أو المعدل عالما بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك بصيرا مرضيا في اعتقاده وأفعاله, وهو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازي وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي، ولشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر تفصيل حسن, قال: إن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا
__________
1 منها أنه قيل لبعضهم لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون أي بغل. وليس هذا مما يجرح به الراوي.
الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان إلا مفسرا؛ لأنه قد ثبت له رتبة الثقة, فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي, وهم أيقظ الناس, فلا ينقض قول أحدهم إلا بأمر صريح، وإن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من عارف؛ لأنه إذا لم يعدل فهو في حيز المجهول وإعمال قول الجارح فيه أولى من إهماله.
وقال الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: "لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف ولا على تضعيف ثقة". والتفصيل الذي اختاره الحافظ ابن حجر هو الذي يطمئن إليه الباحث في النقد بعد استقرار علوم الحديث وتدوينها1.
إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فأيهما يرجح؟:
قال العلماء: إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم؛ لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله، والجارح يخبر عن باطن خفي على المعدل، فكان معه زيادة علم يجب أن يؤخذ بها.
وقيل: إن كان عدد المعدلين أكثر قدم التعديل على الجرح والصحيح الأول, وهو ما عليه الجمهور.
__________
1 الباعث الحثيث ص102، 103.
بم يكون الجرح؟:
قال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها: "الطعن -يعني في الراوي- إما أن يكون:
1- لكذبه في الحديث النبوي بأن يروي عنه -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله متعمدا لذلك.
2- أو تهمته بذلك بأن يعرف بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه
وقوع ذلك في الحديث.
3- أو فحش غلطه.
4- أو غفلته.
5- أو فسقه بالفعل أو بالقول مما لا يبلغ الكفر.
6- أو وهمه.
7- أو مخالفته للثقات في السند أو المتن.
8- أو جهالته عينا أو حالا أو اسما.
9- أو بدعته وهي اعتقاد ما أحدث على خلاف المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بمعاندة ومكابرة بل بنوع شبهة.
10- أو سوء حفظه وهو من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه1.
__________
1 شرح النخبة ص30 ط الاستقامة.
الوَسيط في عُلوم ومُصْطلح الحَديث
محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ)
يتبـــــــــــــــــع