«زيطة».. شرطيًا - ( كمال رمزي)

«زيطة».. شرطيًا

أكثر من صورة ظهرت للضابط المتهم بتصفية عيون الثوار. واحدة منها يمسك فيها، بعزيمة، بندقية حديثة الطراز، يقبض عليها بأصابع يده اليسرى فتبدو كما لو أنها جزء لا يتجزأ منه. وجهه يتسم بصفاء، يعلن عن نفسه بملامح مصرية متسقة ومتناغمة: جبهة عريضة، لامعة، تنتهى بحاجبين كثيفين. إنهما خط دفاع لعينين غائرتين، تلتمعان باليقظة والذكاء، مطمئنتان فى موقعهما داخل ما يشبه الخندق. أنف لا هو بالصغير أو الكبير، يعلو شفتين غليظتين، أثر من آثار أصولنا الأفريقية.

البشرة النضرة، الحليقة، المشدودة، ذات اللون الوردى، تشى بالصحة وتنطق بالعافية. الرأس، ينهض مرفوعا على عنق قوى راسخ. إنه يبعث على الإعجاب ويوحى بالألفة، وربما.. بشىء غير قليل من البراءة، تجعله أقرب لنجوم السينما، يصلح للأدوار الرومانسية، فيغدو، فى عالم الخيالة، الفارس المغوار، الطيب، الذى يدفع دفعا، إلى صراع عنيف، ينتهى، غالبا، بانتصاره.. ولكن، واقعيا، مع صوره التالية، ندرك أن قناع النبل فوق وجهه، يخفى تحته أنيابا تقطر بالدم. وحتى فى هذه الحالة يصلح لأن يكون نجما سينمائيا، فأفضل النجوم من كان مَخبرهم غير مظهرهم.

من زوايا مختلفة، تدفقت أشرطة قصيرة، على مواقع التواصل الاجتماعى، يظهر فيها الشاب العشرينى الجميل وسط مجموعة من جنود وضباط شرطة، بعضهم بملابس مدنية، يواجهون مجموعة لا نراها من الثوار، فى شارع محمد محمود، الذى أصبح اسمه بجدارة «شارع الشهداء»، آلات التصوير ترصد حركة رجال الشرطة من ظهورهم، مع تسجيلات لأصوات إطلاق رصاصهم وقنابلهم، بالإضافة لصيحات متداخلة، يمكنك أن تميز من بينها عبارات من نوه «هات الأفندى اللى جاى ده»، «خد، البس الخوذة دى»، «ما حدش يرجع من مكانه». ووسط انفلات انضباط الرجال، أو «البعككة» ــ حسب التعبير العسكرى يتقدم من خلف الشرطة، الضابط الشاب، بثبات، ليطلق طلقة ناجعة، يلتف ويعود لترصد الكاميرا وجهه الجامد، الخالى تماما من أى انفعال، وكأنه آلة تدمير بلا إحساس، تصاحبه تعليقات خسيسة متشفية، تقول «جت فى عين الواد»، «جت فى عين دين أمه»، و«جدع يا باشا، جت فى عينه تمام».. هكذا، نجح الوحش فى مسعاه، والواضح أن تصفية عين الشاب لم يكن إنجازه الأول، فالشهادات والوقائع تقول إنه متخصص فى فقء العيون.. إنه «زيطة»، صانع العاهات، ولكن مع بعض الفروق. «زيطة» نجيب محفوظ كان فقيرا من سلالة فقراء، نشأ ويعيش فى الخرائب المهجورة، بينما «زيطة» الحديث ثريا، من أسرة ميسورة تماما، يسكن معها فى شقة بشارع مرصع بعمارات أنيقة فاخرة. «زيطة» «زقاق المدق»، لم يكن متخصصا فى إجراء عاهة معينة، فهو يجيد vبتر الذراع، والقدم، يصنع الجروح الغائرة، فى الأجساد، بينما «زيطة» الآخر، اشتهر بمهارته فى فقء العيون.. والأهم، أن «زيطة» الأربعينيات أعتبر خارجا عن القانون، بينما «زيطة» العشرينية الأولى من الألفية الثالثة يحميه القانون، بل يعد، ممثلا للقانون على نحو ما.. وهنا، ينفتح أماما أفق جديد للعدالة، سيتحقق حتما، والدليل على هذا يتجسد فى القبض على الشرطى «زيطة» الرعديد، الذى سيدفع ثمن جرائمه، مع من يحميه، إن عاجلا أو آجلا.

بقلم : كمال رمزي

شكرا لمرورك محمد وبارك الله فيك

» "المعونة الأمريكية"....والمناورة الرابعة - (محمد كمال)
» إخوان مصر يعتبرون استقالة كمال الهلباوي "فرقعه إعلامية"