منتديات بهجة النفوس الاسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدي اسلامي على مذهب اهل السنة والجماعه
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تحكيم شرع الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد المصرى
عضو مشارك



عدد المساهمات : 61
نقاط : 123
تاريخ التسجيل : 25/12/2012
العمر : 50

تحكيم شرع الله Empty
مُساهمةموضوع: تحكيم شرع الله   تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 30 ديسمبر 2015, 12:41 am

وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، ورب الناس أجمعين، مالك الملك، الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، بلغ الرسالة وأدّى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. أما بعد: 
فهذه رسالة موجزة ونصيحة لازمة في وجوب التحاكم إلى شرع الله، والتحذير من التحاكم إلى غيره، كتبتها لما رأيت وقوع بعض الناس في هذا الزمان في تحكيم غير شرع الله، والتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، من العرافين والكهان وكبار عشائر البادية، ورجال القانون الوضعي وأشباههم، جهلا من بعضهم لحكم عملهم ذلك، ومعاندة ومحادة لله ورسوله من آخرين، وأرجو أن تكون نصيحتي هذه معلمة للجاهلين، ومذكرة للغافلين، وسببا في استقامة عباد الله على صراطه المستقيم، كما قال تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[1]، وقال سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ[2].
والله المسئول سبحانه أن ينفع بها ويوفق المسلمين عموما لالتزام شريعته، وتحكيم كتابه واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. 
أيها المسلمون: 
لقد خلق الله الجن والإنس لعبادته قال الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[3]، وقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[4]، وقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[5].
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: ((كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟" قلت: الله ورسوله أعلم قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا"، قال قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا)) رواه البخاري ومسلم. 
وقد فسر العلماء رحمهم الله العبادة بمعان متقاربة من أجمعها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذ يقول: (العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)، وهذا يدل على أن العبادة تقتضي: الانقياد التام لله تعالى، أمرا ونهيا واعتقادا وقولا وعملا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجردا من حظوظ نفسه ونوازع هواه، ليستوي في هذا الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابدا لله من خضع لربه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكده قول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[6].
وقوله سبحانه وتعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[7]، وما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)). 
فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله، ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها في كل شأن من شئونه، في الأنفس والأموال والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[8]، فمن خضع لله سبحانه وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، كما قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا[9].
والعبودية لله وحده والبراءة من عبادة الطاغوت والتحاكم إليه، من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فالله سبحانه هو رب الناس، وإلههم، وهو الذي خلقهم وهو الذي يأمرهم وينهاهم، ويحييهم ويميتهم، ويحاسبهم ويجازيهم، وهو المستحق للعبادة دون كل ما سواه قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ[10].
فكما أنه الخالق وحده، فهو الآمر سبحانه، والواجب طاعة أمره.
وقد حكى الله عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، لما أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ[11].
وقد روي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه ظن أن عبادة الأحبار والرهبان إنما تكون في الذبح لهم، والنذر لهم، والسجود والركوع لهم فقط ونحو ذلك، وذلك عندما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وسمعه يقرأ هذه الآية. فقال: (يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم)، يريد بذلك النصارى حيث كان نصرانيا قبل إسلامه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم فتحلونه؟ قال: بلى قال: فتلك عبادتهم)) رواه أحمد والترمذي وحسنه. 
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: (ولهذا قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا أي الذي إذا حرم الشيء فهو الحرام، وما حلله فهو الحلال، وما شرعه اتبع، وما حكم به نفذ، لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تعالى وتقدس وتنزه عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد، والأولاد لا إله إلا هو ولا رب سواه) [اهـ - ص 349 من الجزء الثاني]. 
فصل
إذا علم أن التحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فإن التحاكم إلى الطواغيت والرؤساء والعرافين ونحوهم ينافي الإيمان بالله عز وجل، وهو كفر وظلم وفسق، يقول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[12]، ويقول: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[13]، ويقول: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[14]. 
وبيّن تعالى أن الحكم بغير ما أنزل الله حكم الجاهلين، وأن الإعراض عن حكم الله تعالى سبب لحلول عقابه، وبأسه الذي لا يرد عن القوم الظالمين، يقول سبحانه: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[15].
وإن القارئ لهذه الآية والمتدبر لها يتبين له أن الأمر بالتحاكم إلى ما أنزل الله، أكد بمؤكدات ثمانية: الأول: الأمر به في قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَّهُ[16].
الثاني: أن لا تكون أهواء الناس ورغباتهم مانعة من الحكم به بأي حال من الأحوال وذلك في قوله: وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ.
الثالث: التحذير من عدم تحكيم شرع الله في القليل والكثير، والصغير والكبير، بقوله سبحانه: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ.
الرابع: أن التولي عن حكم الله وعدم قبول شيء منه ذنب عظيم موجب للعقاب الأليم، قال تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ.
الخامس: التحذير من الاغترار بكثرة المعرضين عن حكم الله، فإن الشكور من عباد الله قليل، يقول تعالى: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ.
السادس: وصف الحكم بغير ما أنزل الله بأنه حكم الجاهلية، يقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ.
السابع: تقرير المعنى العظيم بأن حكم الله أحسن الأحكام وأعدلها، يقول عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا.
الثامن: أن مقتضى اليقين هو العلم بأن حكم الله هو خير الأحكام وأكملها، وأتمها وأعدلها، وأن الواجب الانقياد له، مع الرضا والتسليم، يقول سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وهذه المعاني موجودة في آيات كثيرة في القرآن، وتدل عليها أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله، فمن ذلك قوله سبحانه: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[17]، وقوله: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[18] الآية، وقوله: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ[19]، وقوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[20].
وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به))، قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعدي بن حاتم: ((أليسوا يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم)) 
وقال ابن عباس رضي الله عنه لبعض من جادله في بعض المسائل: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر). 
ومعنى هذا: أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى، وقول رسوله، وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة.
ولهذا كان من مقتضى رحمته وحكمته سبحانه وتعالى أن يكون التحاكم بين العباد بشرعه ووحيه؛ لأنه سبحانه المنزه عما يصيب البشر من الضعف، والهوى والعجز والجهل، فهو سبحانه الحكيم العليم اللطيف الخبير، يعلم أحوال عباده وما يصلحهم، وما يصلح لهم في حاضرهم ومستقبلهم، ومن تمام رحمته أن تولى الفصل بينهم في المنازعات والخصومات وشئون الحياة ليتحقق لهم العدل والخير والسعادة، بل والرضا والاطمئنان النفسي، والراحة القلبية. 
ذلك أن العبد إذا علم أن الحكم الصادر في قضية يخاصم فيها هو حكم الله الخالق العليم الخبير، قبل ورضي وسلم، وحتى ولو كان الحكم خلاف ما يهوى ويريد، بخلاف ما إذا علم أن الحكم صادر من أناس بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم، فإنه لا يرضى ويستمر في المطالبة والمخاصمة، ولذلك لا ينقطع النزاع، ويدوم الخلاف، وإن الله سبحانه وتعالى إذ يوجب على العباد التحاكم إلى وحيه، رحمة بهم وإحسانا إليهم، فإنه سبحانه بيّن الطريق العام لذلك أتم بيان وأوضحه بقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[21].
والآية وإن كان فيها التوجيه العام للحاكم والمحكوم والراعي والرعية، فإن فيها مع ذلك توجيه القضاة إلى الحكم بالعدل، فقد أمرهم بأن يحكموا بالعدل، وأمر المؤمنين أن يقبلوا ذلك الحكم الذي هو مقتضى ما شرعه الله سبحانه، وأنزله على رسوله، وأن يردوا الأمر إلى الله ورسوله في حال التنازع والاختلاف. 
ومما تقدم يتبين لك أيها المسلم أن تحكيم شرع الله والتحاكم إليه مما أوجبه الله ورسوله، وأنه مقتضى العبودية لله والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإعراض عن ذلك أو شيء منه موجب لعذاب الله وعقابه، وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تعامل به الدولة رعيتها، أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل مكان وزمان. 
وفي حال الاختلاف والتنازع الخاص والعام، سواء كان بين دولة وأخرى، أو بين جماعة وجماعة، أو بين مسلم وآخر، الحكم في ذلك كله سواء، فالله سبحانه له الخلق والأمر، وهو أحكم الحاكمين، ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثله وتشابهه، أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية، وإن كان معتقدا بأن أحكام الله خير وأكمل وأعدل.. 
فالواجب على عامة المسلمين وأمرائهم وحكامهم، وأهل الحل والعقد فيهم: أن يتقوا الله عز وجل ويحكموا شريعته في بلدانهم وسائر شئونهم، وأن يقوا أنفسهم ومن تحت ولايتهم عذاب الله في الدنيا والآخرة، وأن يعتبروا بما حل في البلدان التي أعرضت عن حكم الله، وسارت في ركاب من قلد الغربيين، واتبع طريقتهم، من الاختلاف والتفرق وضروب الفتن، وقلة الخيرات، وكون بعضهم يقتل بعضا، ولا يزال الأمر عندهم في شدة، ولن تصلح أحوالهم ويرفع تسلط الأعداء عليهم سياسيا وفكريا إلا إذا عادوا إلى الله سبحانه، وسلكوا سبيله المستقيم الذي رضيه لعباده، وأمرهم به ووعدهم به جنات النعيم، وصدق سبحانه إذ يقول: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى[22].
ولا أعظم من الضنك الذي عاقب الله به من عصاه، ولم يستجب لأوامره، فاستبدل أحكام المخلوق الضعيف، بأحكام الله رب العالمين، وما أسفه رأي من لديه كلام الله تعالى، لينطق بالحق ويفصل في الأمور، ويبين الطريق ويهدي الضال، ثم ينبذه ليأخذ بدلا منه أقوال رجل من الناس، أو نظام دولة من الدول، ألم يعلم هؤلاء أنهم خسروا الدنيا والآخرة، فلم يحصلوا الفلاح والسعادة في الدنيا، ولم يسلموا من عقاب الله وعذابه يوم القيامة، لكونهم استحلوا ما حرم الله عليهم، وتركوا ما أوجب عليهم. 
أسأل الله أن يجعل كلمتي هذه مذكرة للقوم، ومنبهة لهم للتفكر في أحوالهم، والنظر فيما فعلوه بأنفسهم وشعوبهم، فيعودوا إلى رشدهم، ويلزموا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليكونوا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حقا، وليرفع ذكرهم بين شعوب الأرض، كما ارتفع به ذكر السلف الصالح، والقرون المفضلة من هذه الأمة، حتى ملكوا الأرض وسادوا الدنيا، ودانت لهم العباد، كل ذلك بنصر الله الذي ينصر عباده المؤمنين الذين استجابوا له ولرسوله، ألا ليتهم يعلمون، أي كنز أضاعوا وأي جرم ارتكبوا، وما جروه على أممهم من البلاء والمصائب قال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ[23].
وجاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ما معناه: (أن القرآن يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان، حين يزهد فيه أهله، ويعرضون عنه تلاوة وتحكيما)، فالحذر الحذر أن يصاب المسلمون بهذه المصيبة، أو تصاب بها أجيالهم المقبلة، بسبب صنيعهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 
وأوجه نصيحتي أيضا إلى أقوام من المسلمين يعيشون بينهم، وقد علموا الدين، وشرع رب العالمين، ومع ذلك لا زالوا يتحاكمون عند النزاع إلى رجال يحكمون بينهم بعادات وأعراف، ويفصلون بينهم بعبارات وسجعات، مشابهين في ذلك صنيع أهل الجاهلية الأولى. 
وأرجو ممن بلغته موعظتي هذه أن يتوب إلى الله، وأن يكف عن تلك الأفعال المحرمة، ويستغفر الله ويندم على ما فات، وأن يتواصى مع إخوانه ومن حوله على إبطال كل عادة جاهلية، أو عرف مخالف لشرع الله، فإن التوبة تجُبُّ ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وعلى ولاة أمور أولئك الناس وأمثالهم، أن يحرصوا على تذكيرهم وموعظتهم بالحق، وبيانه لهم، وإيجاد الحكام الصالحين بينهم، ليحصل الخير بإذن الله ويكفوا عباد الله عن محادته، وارتكاب معاصيه، فما أحوج المسلمين اليوم إلى رحمة ربهم، التي يغير الله بها حالهم، ويرفعهم من حياة الذل والهوان إلى حياة العز والشرف. 
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفتح قلوب المسلمين لتفهم كلامه، والإقبال عليه سبحانه، والعمل بشرعه والإعراض عما يخالفه، والالتزام بحكمه، عملا بقوله عز وجل: إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[24]، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تحكيم شرع الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وجوب تحكيم شرع الله املاء الشيخ ابن باز عليه رحمة الله
»  تحكيم شرع الله عزوجل
» تحكيم شرع الله عزوجل
» تحكيم شرع الله عزوجل
» الحياة الدنيوية لصفوة خلق الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بهجة النفوس الاسلامية :: اقسام الشكاوي والاقتراحات :: الشكــــــــــــــــــــــــاوي-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» رسائل للروح
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 12 أغسطس 2020, 8:49 pm من طرف shaban

» استمع للشيخ حسن صالح صاحب الصوت الجميل
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 30 نوفمبر 2017, 3:25 pm من طرف احمد المصرى

» الرجوع الى القران الكريم
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 30 نوفمبر 2017, 3:07 pm من طرف احمد المصرى

» هذا الطفل يقوم الليل
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 24 أغسطس 2017, 2:59 am من طرف shaban

» روائع الاعجاز النفسي - من أسرار السعادة
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالثلاثاء 08 أغسطس 2017, 2:09 am من طرف shaban

» الوسائل النبوية فى كسب قلوب البرية(7)
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالإثنين 07 أغسطس 2017, 10:41 pm من طرف shaban

» تفسير القران الكريم للشيخ ابو بكر الجزائرى
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 01 فبراير 2017, 5:37 pm من طرف احمد المصرى

» عشرة نساء لا ينساهن الرجل
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأحد 29 يناير 2017, 8:19 am من طرف shaban

» الالتزام بمنهج اهل السنه
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 15 ديسمبر 2016, 5:51 pm من طرف احمد المصرى

» التلاوة التى هزت أركااااان الهند (2016) شيئ يفووووق الخياااال لملك المقامات وقارئ شباب العالم الاول
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 15 ديسمبر 2016, 5:47 pm من طرف احمد المصرى

» فديو للشيخ ابو اسحاق الحوينى
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 15 ديسمبر 2016, 5:43 pm من طرف احمد المصرى

» لكل قاتل قتله
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالخميس 08 ديسمبر 2016, 11:58 pm من طرف احمد المصرى

» الصلاة على النبى صل الله عليه وسلم
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالجمعة 14 أكتوبر 2016, 2:50 pm من طرف احمد المصرى

» الاعجاز فى القران الكريم
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالجمعة 14 أكتوبر 2016, 2:09 pm من طرف احمد المصرى

» لا ادرى
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 06 يناير 2016, 5:34 pm من طرف احمد المصرى

» الحديث الثانى من الاربعين النوويه
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 06 يناير 2016, 4:31 pm من طرف احمد المصرى

» معا لنصرة المسجد الاقصى وتحريره
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 30 ديسمبر 2015, 2:46 am من طرف احمد المصرى

» تحكيم شرع الله
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالأربعاء 30 ديسمبر 2015, 12:41 am من طرف احمد المصرى

»  تحكيم شرع الله عزوجل
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالثلاثاء 29 ديسمبر 2015, 11:56 pm من طرف احمد المصرى

» القدس رمز الأمة
تحكيم شرع الله I_icon_minitimeالثلاثاء 24 نوفمبر 2015, 5:49 pm من طرف احمد المصرى

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
shaban - 17315
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
اريج الجنة - 5330
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
محمد - 2800
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
الشافعي - 1989
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
زهرة الفردوس - 281
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
الرحال - 163
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
محمد احمد غيث - 130
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
هايدي - 116
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
احمد المصرى - 61
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
معتز - 50
تحكيم شرع الله Vote_rcap1تحكيم شرع الله Voting_bar1تحكيم شرع الله Vote_lcap 
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم

.: عدد زوار المنتدى :.

ضع اميلك ليصلك كل ما هو جديد:

لا تنسى الضغط على رابط التفعيل فى بريدك لاتمام الاشتراك

منتديات بهجة النفوس الاسلامية

[جميع ما يطرح في منتديات بهجة النفوس الإسلامية لا يعبر عن رأي الإدارة بالضروري ،وإنما يعبر عن رأي الكاتب ]

للتسجيل اضغط هـنـا

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More