الحديث القدسي
مدخل
...
"الحديث القدسي":
وبمناسبة هذه الفائدة التي ذكر الإمام الحافظ ابن حجر أرى لزاما عليّ بيان ما يتعلق بالحديث القدسي فأقول وبالله التوفيق.
الحديث القدسي، ويقال له أيضا: "الحديث الإلهي" ويقال له أيضا: "الحديث الرباني".
وهذا المركب الوصفي مكون من كلمتين "الحديث" و"القدسي" أما الحديث فقد سبق تعريفه أول الكتاب، ولكن ليس هذا بمراد هنا قطعا وإنما المراد به ما رفعه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله تبارك وتعالى وسمي حديثا لشبهه بالحديث النبوي في كون كل منهما مروي بالسند إلى قائله وذلك لو قلنا: إن لفظه من الله تبارك وتعالى، وإن قلنا: إن لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- فتسميته حديثا ظاهر.
و"القدسي" نسبة إلى القدس وهو الطهر.
وقد جاءت هذه الكلمة في القرآن الكريم وصفا لجبريل عليه السلام
قال عز شأنه: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} 1 وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدس أي المطهر، وهو الروح الأمين في قوله عز وجل: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 2، وجبريل هو الأمين على وحي الله إلى أنبيائه ورسله.
قال في "القاموس المحيط" مادة "القدس" ج2 ص239:
"القدس بالضم يعني ضم القاف, وبضمتين الطهر اسم، ومصدر والبيت المقدس، وجبريل، كروح القدس ... والقدوس -يعني بضم القاف- من أسماء الله تعالى، ويفتح -يعني أوله- أي الطاهر أو المبارك، وكل فعول مفتوح -أي أوله- غير قدوس وسبوح وذروح، وفروج فبالضم، ويفتحن ... والتقديس: التطهير، ومن الأرض المقدسة، وبيت المقدس كمجلس، ومعظم، وكمحدث: الراهب، وتقدس: تطهر".
فمن هذا النص نرى أن مادة القدس وما تصرف تدور على معنى الطهر ووصف الحديث بالقدسي لأن الأحاديث القدسية تدور معانيها على تقديس الله وتنزيه ذاته العلية عن النقائص وما لا يليق به سبحانه، وعلى تقديس صفاته والحديث القدسي قد يكون باعتبار سنده إما صحيحا، وإما حسنا، وإما ضعيفا ولذلك كان ذكره "في تقسيم الحديث من حيث نسبته إلى قائله، أنسب وأولى فهو مثل المرفوع، والموقوف، والمقطوع في كونها تشترك جميعا في الصحة أو الحسن أو الضعف.
"أقوال العلماء في الحديث القدسي":
اختلف العلماء في الحديث القدسي: أهو بلفظه ومعناه من الله تبارك وتعالى أم هو لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعناه بوحي من الله تعالى؟
__________
1 النحل: 102.
2 سورة الشعراء: 193-195.
القول الأول:
فذهب كثير من العلماء إلى أن لفظه ومعناه من الله تعالى وأنه أوحى به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأي طريق من طرق الوحي وغالبا ما يكون بغير الوحي الجلي1 إما بمكالمة أو إلهام، أو قذف في القلب، أو في المنام، وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين الحديث النبوي ظاهر ذلك أن هذا لفظه من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذاك لفظه من عند الله تبارك وتعالى وعلى هذا أيضا يكون موافقا للقرآن الكريم من حيث كونه كل منهما نزل بلفظه على النبي -صلى الله عليه وسلم، وأن كلا منهما بوحي من الله تبارك وتعالى.
ويكون الفرق بينه وبين القرآن الكريم من هذه الوجوه:
1- أن القرآن الكريم كله موحى به عن طريق الوحي الجلي وهو جبريل عليه السلام وهذا أمر يكاد يكون مجمعا عليه بين العلماء ومن أراد يقينا في هذا فليرجع إلى كتابي "المدخل لدراسة القرآن"2 أما الأحاديث القدسية فهي موحى بها بطريق الوحي الغير الجلي ولم أقف على ما يدل على وقوع بعضه بوحي جلي وإن كان جائزا.
2- إن القرآن الكريم معجز بلفظه ومعناه، ولا كذلك الأحاديث القدسية وهذا أمر ظاهر لا يخفى على البلغاء، وعلى كل ذي ملكة في الأدب والبيان.
3- أن الصلاة لا تصح: إلا بالقرآن الكريم أما الحديث القدسي فلا تجوز به الصلاة.
4- أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته ففي الحديث الذي رواه الترمذي مرفوعًا: "من قرأ حرفا 3 من القرآن فله بكل حرف عشر
__________
1 الوحي المجلى: ما كان بوساطة جبريل، وما عدا ذلك فيسمى بالوحي الخفي وهذا تقسيم الأصوليين.
2 ص61-63.
3 المراد بالحرف هنا حرف الهجاء بدليل بقية الحديث.
حسنات، لا أقول: {الم} حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" وأما الأحاديث القدسية فلا يتعبد بتلاوتها.
5- أن القرآن الكريم كله منقول بالتواتر المفيد للقطع واليقين في نسبته إلى الله تبارك وتعالى، أما الأحاديث القدسية فليست كذلك، ولا أعلم حديثا قدسيا متواترا.
6- أن القرآن الكريم مكتوب كله في المصاحف من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس، ولا كذلك الأحاديث القدسية ويكفر من زاد متعمدا في القرآن حديثا قدسيا.
7- أن القرآن الكريم لا يجوز مسه للمحدث بغير حائل، ويحرم على الجنب1 قراءته وكذا الحائض والنفساء بخلاف الأحاديث القدسية.
8- أن القرآن لا تجوز قراءته إلا باللفظ النازل من عند الله، ولا تجوز قراءته بالمعنى بخلاف الأحاديث القدسية فيجوز روايتها بالمعنى بشروطها.
9- أن القرآن لا يجوز إطلاقه شرعا إلا على المنزل على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أما الأحاديث القدسية فلا يجوز أن يطلق عليها اسم القرآن قط.
فإن سألني سائل: لم لم يكتف بالقرآن الكريم عن الأحاديث القدسية؟
والجواب: أن الله تبارك وتعالى أراد أن يبين أن بعض كلامه معجز وهو القرآن الكريم وبعضه غير معجز وهو الأحاديث القدسية، ألا ترى أن التوراة والإنجيل المنزلين من عند الله ليسا بمعجزين وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان.
__________
1 هو المحدث حدثا أكبر كالمباشرة لامرأته أو المحتلم.
"القول الثاني":
وهو ما ذهب إليه بعض العلماء من أن الحديث القدسي لفظه من عند النبي -صلى الله عليه وسلم، ومعناه هو الذي أوحي به من الله تبارك وتعالى.
وعلى هذا يكون الفرق بينه وبين الحديث النبوي: أن معنى الحديث النبوي قد يكون بالوحي وقد يكون بالاجتهاد، والذي عليه المحققون من العلماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد لكنه لا يقر على الخطأ بل لا بد أن ينزل الوحي من الله مصوبا ومنبها.
وإذا اجتهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وسكت عن اجتهاده الوحي كان ذلك بمثابة الموحى به، وأما الحديث القدسي ففيه التنصيص على أنه بوحي من الله وبكون الفرق بينه وبين القرآن الكريم حينئذ هي الفروق التسعة التي ذكرناها في القول الأول من باب أولى.
ونزيد هنا فرقا عاشرا: وهو أن القرآن الكريم لفظه من عند الله قطعا، وأما الحديث القدسي فلفظه من عند النبي -صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
أمثلة للأحاديث القدسية:
الأحاديث القدسية كثيرة، ومن العلماء من بلغ بها إلى نحو مائة أو تزيد، ومنهم من وصل إلى أكثر من ضعف ذلك وإليك بعض الأمثلة في هذا:
1- ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه قال: "إذا تقرب العبد إلي شبرا 1 تقربت إليه ذراعا 2 وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا 3 وإذا
__________
1 الشبر: ما بين طرفي الخنصر والإبهام من يد الإنسان.
2 الذراع: من أطراف أصابع اليد إلى المرفق.
3 الباع: ما بين أطراف أصابع اليد اليمنى، وأطراف أصابع اليد اليسرى.
أتاني يمشي أتيته هرولة" 1, ورواه مسلم من ضمن حديث.
2- وما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربكم قال: "لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزى به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" , والحديث رواه مسلم أيضا.
3- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحها بسنديهما عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه قال: "لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى، ونسبه إلى أبيه" 2 ولفظ مسلم: "أنا خير ... ".
4- وروى البخاري ومسلم في صحيحهما3 بسنديهما عن زيد بن خالد الجهني قال: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية4 في إثر سماء5 كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: "تدرون ماذا قال ربكم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي، كافر بالكواكب وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب".
5- وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي ذر الغفاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت
__________
1 الهرولة: الإسراع في المشي مع تقارب الخطا وهز الكتفين.
2 صحيح البخاري, كتاب التوحيد, باب ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وروايته عن ربه وانظر صحيح مسلم, كتاب الفضائل, باب ذكر يونس عليه السلام.
3 صحيح البخاري كتاب الصلاة باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، وكتاب الاستسقاء, باب: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ} . وصحيح مسلم, كتاب الإيمان, باب كفر من قال: مطرنا بالنوء.
4 الحديبية: موضع بالقرب من مكة قيل: خارج الحرم وقيل: داخله.
5 أي مطر.
الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني1 أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم, وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط2، إذا دخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها3، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه"4.
6- وروى البخاري ومسلم5 في صحيحهما بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ 6 ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
__________
1 السين والتاء للطلب أي اطلبوا مني الهداية أهدكم، وكذلك السين والتاء في كل ما يأتي للطلب.
2 الإبرة الملساء.
3 أي ثوابها.
4 صحيح مسلم, كتاب البر والصلة والأدب, باب تحريم الظلم.
5 البخاري, كتاب التوحيد, باب "تعلم ما في نفسي ... ". ومسلم, كتاب الذكر والدعاء, باب فضل الذكر والدعاء.
6 الملأ: أشراف القوم ورؤسائهم.
"طريقة رواية الحديث القدسي":
للعلماء في طريقة الحديث القدسي طريقتان:
الأولى: أن يقول الراوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه قال ... ، أو يقول", أو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى ... إلخ, أو يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربه قال ... " إلخ, أو "يرويه عن ربكم قال ... " وأمثلة ذلك قد سبقت هذه طريقة السلف.
الثانية: أنه يقول: قال الله تعالى فيما يرويه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهذه طريقة الخلف والطريقة الأولى أولى لما فيها من موافقة الألفاظ الواردة في الأحاديث القدسية كما سمعت آنفا.
المؤلفات في الأحاديث القدسية:
قلت: إن الأحاديث القدسية كانت مبثوثة في كتب الأحاديث والسنن في ثنايا الأحاديث النبوية، من غير تمييز بينها وبين غيرها من الأحاديث النبوية إلا في صيغة الأداء ولو أردت الاستقصاء لذكرت من الأمثلة أكثر مما ذكرت في الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها وإليك بعض المؤلفات في هذا.
1- ممن ألف في الأحاديث القدسية الشيخ محيي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي، الطائي، الأندلسي، المرسي نسبة إلى بلده "مرسية" من بلاد الأندلس لكونه ولد بها ثم المكي ثم الدمشقي المتوفى سنة ثمان وثلاثين وستمائة وقد ضمن مؤلفه الأحاديث القدسية المروية عن الله تبارك وتعالى بأسانيدها فجاءت مائة حديث وحديثا واحدا قدسية وسمى كتابه "مشكاة
الأنوار فيما روي عن الله سبحانه وتعالى من الأخبار".
2- وممن ألف في هذا أيضا العلامة المحدث الشيخ عبد الرءوف المناوي المتوفى سنة إحدى وثلاثين وألف، والمناوي بضم الميم نسبة إلى منية بن الخصيب وسمى كتابه "الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية" ذكر فيه ما وقف عليه من الأحاديث القدسية المروية عن خير البرية مرتبا له على حروف المعجم، ولكن لم يذكر الإسناد كما فعل ابن عربي وقد جمع فيه اثنين وسبعين ومائتي حديث1.
__________
1 الرسالة المستطرفة لسياق كتب السنة المشرفة للكتاني ص61.
"المتصل" أو "الموصول":
تعريفه: هو ما اتصل إسناده مرفوعا كان أو موقوفا على من كان، وعلى هذا يشمل المرفوع والموقوف والمقطوع ولا يجامع المنقطع والمعضل والمرسل والمعلق, مثال ذلك حديث رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: كذا, فهذا متصل مرفوع فإن لم يذكر النبي واقتصر في السند على ابن عمر فهو متصل موقوف فإن لم يذكر ابن عمر واقتصر على نافع فهو متصل مقطوع وعلى هذا جرى الإمام النووي وتبعه ابن جماعة1.
وأما ابن الصلاح فقصره على المرفوع والموقوف على الصحابي وأوضحه العراقي فقال: وأما قول التابعين إذا اتصلت الأسانيد إليهم فلا يسمونها متصلة في حالة الإطلاق أما مع التقييد فجائز وواقع في كلامهم كقولهم: هذا متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري والنكتة في ذلك أنها تسمى مقاطيع، فإطلاق المتصل عليها كالوصف للشيء
__________
1 هو الإمام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الكتاني المتوفى سنة 733هـ, وهو من اختصر "علوم الحديث" لابن الصلاح، وسماه: "المنهل الروي في الحديث النبوي".
الواحد بمتضادين لغة1.
أقول: الراجح الأول، والأمر ليس أمر لغة وإنما هو أمر اصطلاح.
__________
1 تدريب الراوي ص60، 61.
"المسنَد":
اختلف العلماء في تعريفه على أقوال ثلاثة:
1- قال الحاكم أبو عبد الله: هو ما اتصل إسناده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يطلق إلا على المرفوع المتصل وهو الأصح في تعريفه وبه جزم الحافظ ابن حجر في "النخبة".
2- وقال الخطيب البغدادي: هو ما اتصل إسناده إلى منتهاه، فشمل المرفوع والموقوف والمقطوع وتبعه ابن الصباغ في كتاب "العدة" ولكن أكثر ما يستعمل فيما جاء عن النبي دون غيره وعلى هذا يكون تعريفه أعم من تعريف الحاكم.
3- وقال ابن عبد البر في التمهيد: هو المروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء أكان متصلا أم منقطعا، مثال الأول: مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا متصل. ومثال الثاني: مالك عن الزهري عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس فبينه وبين التعريف الأول عموم وخصوص مطلق1 فيجتمعان في المرفوع المتصل وينفرد هذا في المرفوع المنقطع، وبينه وبين التعريف الثاني عموم وخصوص وجهي2 فيجتمعان في الحديث المرفوع المتصل وينفرد الثاني في الموقوف والمقطوع سواء أكان متصلين أم منقطعين، وينفرد هذا في المرفوع المنقطع.
__________
1 الشيئان اللذان بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في شيء وينفرد الأعم منهما.
2 يعني يجتمعان في شيء وينفرد كل منهما في شيء.
الوَسيط في عُلوم ومُصْطلح الحَديث
محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة (المتوفى: 1403هـ)