* المراهقة فترة نضج في السلوك العقلي *

زائر

يقول أحمد أوزي، باحث مهتم بقضايا الطفولة والمراهقة عن البعد العقلي في شخصية المراهق، إن النمو في تلك الفترة لا يقتصر على التغيرات الجسمية والفزيولوجية، وإنما يرافق ذلك أيضا نمو في التفكير والقدرات العقلية المرتبطة به.
واسترسل أوزي أن المراهقة تتميز بأنها فترة "تمييز وتمايز" ونضج في مختلف قوى وأساليب السلوك العقلي والإدراكي، على اعتبار أن الطفل حين يصل إلى مرحلة المراهقة تختلف أساليبه عن مرحلة الطفولة وخلال تلك المرحلة تظهر لدى المراهق مختلف القدرات الخاصة والميول المتعددة منها الميل إلى ممارسة الرياضة أو تعلم اللغات أو بعض الابتكارات العلمية أو الفنون التشكيلية وغيرها، كما أنه ينتقل من الاعتماد على التعلم التجريدي ويساعده في ذلك عمق نظرته وقدرته على الاستيعاب وعلى الانتباه مدة أطول وكذا إدراك العلاقات الأكثر تجريدا.
وأوضح أوزي أن هذه المرحلة من العمر العقلي تقابل مرحلة التعليم الثانوي والجامعي، ما يصادف لدى المراهق قدرة عقلية هامة لفهم واستيعاب موضوعات علمية وفلسفية ذات درجة كبيرة في التجريد.
وتقوى لدى المراهق، حسب أوزي، القدرة على التخيل والتدكير، إذ تتميز الذاكرة في مرحلة المراهقة بالاتساع في المدى الزمني للتعلم والتذكر.
ويعتبر الباحث المهتم بقضايا الطفولة والمراهقة أنه بازدياد قدرة المراهق على الفهم والتحليل والاستيعاب تتحول خبرات ذاكرته إلى خبرات لا تعتمد الحفظ الآلي، وإنما التذكر المنطقي الذي يعتمد الفهم وإدراك العلاقات بين الموضوعات المتذكرة.
ومن جهة أخرى، يقول أحمد أوزي إن "أحلام اليقظة" تعتبر من الظواهر الشائعة لدى المراهق والتي لها وظيفة نفسية مهمة إذا لم يتم الإفراط فيها، لأنه عن طريقها يصبح بطلا قويا في المصارعة وينصف المظلومين في المجتمع، كما قد يسخر المراهق أحلامه للحصول على المال والثروة التي تنقصه إذا كان معوزا حتى يستطيع مواجهة متطلباته المالية وأيضا يوظف أحلامه ليتحول من تلميذ متوسط الذكاء إلى تلميذ خارق الذكاء، ويلفت انتباه جميع زملائه ويحظى برضى أساتذته.
ويرى أحمد أوزي أن العالم العقلي للمراهق بشكل عام يختلف عن العالم العقلي للطفل، إذ أن عالم المراهق أكثر اتساقا وانتظاما وأكثر معنوية وتجريدا، وهذا يسمح له بالاستمتاع بالنشاط العقلي وقضاء أوقات طويلة في التفكير والتأمل في أمور مجردة منها قيم الخير والجمال والفضيلة والشجاعة والعدالة ومعنى الحياة، وهي مفاهيم كانت قواه العقلية خلال مرحلة الطفولة لا تستطيع استيعاب مداركها.
ونظرا للقدرة العقلية التجريدية التي تتميز بها المراهقة يقول أوزي إنه يمكن اعتبارها مرحلة الفلسفة المعقلنة بعد أن كانت الطفولة مرحلة الفلسفة الساذجة والبسيطة، إذ أن الأسئلة التي يطرحها الطفل في سن الرابعة يجيبه عنها الآباء والمدرسون بينما الأسئلة التي تشغل بال المراهق غالبا ما يطرحها على نفسه ويجول فيها بعقله مستخدما تأملاته.
وانطلاقا من ذلك فالمراهق لم يعد الطفل المستقبل لكل شيء وإنما يطرح للنقاش العقلي كل المبادئ والمسلمات والأعراف التي كانت لا تثير لديه أدنى شك، لأن كل ما تلقنه من قبل سلم بصحته وضرورته.
وعن طريق ممارسة المراهق لدور العقل يتعزز لديه الإحساس بالوجود والاستقلال الذاتي في الخوض في مختلف الأمور لأنه بذلك يثبت وجوده واستقلاله وقيمته، كما أنه من خلال مناقشته يعود لتقييم أسلوبه وحججه في الإقناع، رغبة منه في الوصول إلى إدراك الصورة التي أحدثها عند مستمعيه.
واعتبر أوزي أنه بتفاعل المراهق مع مختلف أفراد محيطه الاجتماعي واستخدامه للإمكانات العقلية تتكون لديه مختلف الاتجاهات وتتبلور نحو مختلف الموضوعات في بيئته، كما يشعر برغبة قوية لعرض هذه الاتجاهات ومناقشتها مع الغير من الأفراد المحيطين به للإفصاح عن رأيه فيها وليفهم غيره بطريقة غير مباشرة باستقلال هذه الاتجاهات وتكونها من خلال رؤاه ومنظوره العقلي، وليس تقليدا واستيحاء من الغير.

أ. ك