استيقظت فزعا على صرخات الرجل وهى تمزق أنفاس الصبح الأولى يوم من الأيام , استطعت أن أميز بعض الكلمات من بينها, كان الرجل يصرخون : يا ربي على المصيبة.. يا الله.. استرها معنا يالله.. خرجت على الفور بملابس النوم عاري القدمين, أبقيت باب شقتي مفتوحا ووقفت أمامه لحظة إلى أن تبين مصدر الصراخ, كان يأتي من كل مكان في الحي من كل شقة من كل نافذة منزل, صعدت السلم للطابق العلوي لأشاهد من فوق السطح , وقفت أمام السور من الناحية الشمالية الغربية فرأيت مصدر الصياح , أخذت أدق رقم جوال هاتفي بشدة إلى أن فتح لي صاحب الشقة الباب, كان ممسكا بسكين طويلة !! , السكين كان ملوثا بالدماء, تناثرت أيضا على ملابسه بقع دماء..
ترى هل ذبح الرجل زوجته؟
تنبهت إلى أنه كان لوحدة ويعيش بمفرده, لم يكن يحتل وظيفة ما غير أنه كان يعيش عيشة مستورة ربما من راتب كبير من وظيفة أخرى أو لعله كان من ذوى الأملاك.
صرخت فيه: أرمى السكينة على الأرض.
ألقى بالسكين على الأرض غير أنه استمر في الصراخ فأمسكت به من كتفيه بقوة وقلت له بصوت آمر
كف عن الصراخ يا رجل وقل لي.. من ذبحت بهذه السكين؟ هل هاجمك لص فقتلته.. أم قتلت أحد الجيران؟
فرد وقد استولت عليه نوبة بكاء حادة لا .. لقد قتلت ولية نعمتي ومصدر الخير في حياتي وأملى في الدنيا.. نعم ذبحتها.. لقد ذبحت الإوزة.!!
نعم.. شو ؟ ألوزة.. لك صديقة اسمها وزه ؟
لأ.. هي وزه.. أو إوزة كما تسمونها بالفصحى.
آه فهمت.. شو يعني هل اكتشفت إنها مصابة بأنفلونزا الطيور؟
لأ لقد كانت صحيحة الجسم لم تشك من أمراض في حياتها.. إنها وزه فريدة ليس لها مثيل في الكون كله.. لقد كانت تبيض ذهبا.. كل صباح كانت تبيض بيضة من الذهب الخالص ومدموغ أيضا.
وماذا كنت تفعل بهذا البيض؟
عندي خزينة كنت أضع فيها البيض كل صباح, وفى حالة احتياجي لسيولة مالية كنت أبيع بيضة أو بيضتين..!!
سنوات طويلة وهى تعطيني البيض الذهبي ولكن الشيطان لم يتركني في حالي.. أخذ يهمس لي في أذني
ويوسوس لي في صدري..
نعم.. أحك لي ماذا قال لك هذا الشيطان السافل؟
قال لي.. ياراجل.. كل يوم تضيع وقتك في الحصول على بيضة واحدة ذهبية.. ثم تتعذب في المواصلات لكي تودعها في خزنتك .. لماذا لا تحصل على البيض كله بضربة واحدة وبذلك يتوفر لك رأسمال عظيم تستطيع أن تفعل به ما تشاء.. تستطيع في شهر واحد أن تنشئ أعظم مشروع لك .. تستطيع أن تبنى مدينة كاملة في الصحراء.. تستطيع أن تشترى وتقيم مشاريع تكسب منها ما تعجز كل إوزات العالم الذهبية عن بيضه.
استفزني غباء الرجل فصحت فيه: فذبحتها يا غبي.. لماذا لم تجر لها عملية جراحية تخرج بها الكنز من أحشائها وتعيد خياطة الجرح مرة أخرى لكي تواصل عملها كمنجم ذهب بعد ذلك؟
أجاب : فكرت في ذلك ولكن الأمر كان يتطلب اللجوء لجراح بيطري متخصص في الدواجن ولكنى خفت من أن ينكشف سرى فتسرق الإوزة منى أو تأخذها منى الحكومة.. آه .. يا للمصيبة.. ماذا أفعل الآن؟
فقلت له: تسألني أنا ماذا تفعل؟
هل تعتقد أنه يوجد سوق للطيور تستطيع أن تشترى منها إوزة تبيض ذهبا أو حتى فضة كل يوم..
إنها إوزة واحدة ظهرت مرة واحدة في طول التاريخ وعرضه تصادف أن كانت من نصيب سيادتك..
تصادف أن صاحبها هو أنت..
أنت صاحب الإوزة وأنت صاحب الذهب وأنت الذي ذبحتها..
أعترف أنك أكثر الناس تعاسة على وجه الأرض..
ولكن تأكد كل من سيعرف حكايتك سيكون تفسيره الوحيد هو أنك شخص غبي وطماع, أما أنا فلدى تفسير مختلف..
أنت لست طماعا ولست غبيا, أنت تشعر بذنب عظيم يدفعك بقوة لعقاب نفسك..
هناك رغبة قوية راقدة في أعمق الأعماق عندك تدفعك دفعا لكي تكون فقيرا..
ولذلك أنا أراهن إنك ألان تشعر براحة كبرى بالرغم من صرخاتك الملتاعة لفقد هذا الكنز الذي كان يتجدد كل صباح.
في النهاية : تركت الرجل وعدت إلى شقتي غير إني كنت حريصا بعد ذلك على متابعة هذا المسكين.. لقد اضطر إلى العمل بعد أن أضاع رصيده من البيض الذهبي في مشاريع خاسرة ؟؟ يبدو أن الرجل كان له أصدقاء من أصحاب النفوذ ألحقوه وساعدوه بعدة مناصب في مجالات مختلفة بعيدة كل البعد عن بعضها البعض ربما مديراو مسئول او .. او ..., المهم وفى كل موقع تولاه كان حريصا على أن يذبح كل ما فيه من إوز ذهبي ويذهب عمرة سدى . وعندما عين مسئولا في مؤسسة دولية , دخل مع مستثمرغربي في مشاريع فذبحت هذة المشاريع بعد عدة اشهر من توقيع العقد!! السبب مجهول ؟ ولكن هو الآن مسئول في المؤسسة مهمته ضمان ألا تهبط على أرض غزة أي إوزة طائرة قادمة من الخارج...!؟ هم يقفون يحدقون طول الوقت في السماء وعند ظهور أي نوع من الإوز المهاجر قادم من الخارج يطلقون عليه النار لكي يضمنوا ألا تهرب وظيفته , من الشائع لدى الناس أن الإنسان يبحث عن السعادة, ولكن ذلك لا ينطبق على الناس جميعا, هناك من يبحث عن أقصر الطرق التي تجلب له ولأهله المال المؤقت ويفرح نفسة قليلا وينسى في نفس الوقت انه باع نفسة للغير وخسر كرامته من اجل المال والجاه واسمة في الاخر عمل حاجة !!
أنا فرح وأشعر بالخوف من الذين يبيعون نفسهم للمال باسم " فلنبدا صفحة جديدة " . ودعني أعترف لكم بسر, أنا أيضا عندي إوزة تبيض ذهبا كل طلعة نهار, وأنتم أيضا عندكم واحدة بداخل قلبكم ربما لم تتنبهوا لوجودها, أبحثوا عنها وتعاملوا معها برقة وقناعة وعفة.. كن غنيا بالحفاظ على اصلك .. كن فرحا بان لاتبيع نفسك للغير.