هل من حلٍّ ثالث؟! - (أسامة جادو )

هل من حلٍّ ثالث؟!

بقلم. أسامة جادو
اوشك عام على ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار أن يكتمل، وكل يوم يدفع الشعب قسطًا غالي الثمن من دماء أبنائه الشهداء وجراحات الجرحى وآلام المصابين وأوجاع ذويهم وأنَّات أهاليهم، ويقينـًا فقد استطاع هذا الشعب الأبي أن يكسر حاجز الخوف ويستجمع قواه الثورية ويحشد طاقاته الغاضبة، ومن ثَمَّ اشتعلت ثورته وقويت غضبته، واتسعت جغرافيًّا حتى فاجأت نظام بشار نفسه؛ فها هي إرهاصات مشاركة حلب وأهلها في الثورة وتزايد مشاركة المناطق الحضرية من العاصمة دمشـق في فعاليات الثورة، وهما المحافظتان اللتان راهن الجميع عليهما، سواء النظام وحلفاؤه أو الشعب السوري وأنصاره.

والشعب السوري يمتلك رصيدًا ضخمًا من الثورات على الظلم، وفي ذاكرته ثوراته ضد الاحتلال الفرنسي حتى نيل الاستقلال، وعنده نموذج ثورة حماه الأبية، بلد الشهداء، ضد نظام حافظ الأسد، ومن عجائب القدر أن تلعب الدراما السورية دورًا رائعًا في تزكية روح الوطنية والحرص على الكرامة والنخوة في نفوس أبناء الشعب السوري الكريم، كما هو الحال في مسلسل "باب الحارة"؛ الذي أبدعت فيه الدراما السورية وهي تخلد ذكريات مجيدة من ثورة الشعب على الغاصب المحتل وأذنابه الخونة من بني الوطن.

وليس بعيدًا عن وعي الشعب السوري وإدراكه التطورات المذهلة للربيع العربي الذي اشتعل غرب العالم العربي وهبَّت رياحه جهة المشرق فتجاوب معها متطلعًا إلى نيل حريته، وهو الشعب الكريم ينتفض ويثور على جلاديه، يطالب بحريته الكاملة ويرنو إلى عيش رغيد وغدٍ أفضل في ظلال الحرية والعدالة الاجتماعية والإنسانية والحكم الرشيد.

وعلى ذات النهج سار الفريقان: الشعب والنظام.. الشعب السوري جدَّد سيرة أشقائه (المصريين والتونسيين والليبيين واليمنيين)، ونظام بشار اقتفى أثر الحكام البائدين (مبارك وبن علي والقذافي وعلي عبد الله)، وكأنّ التاريخ القريب يعيد نسج نفسه دون اتعاظ بالسابقين أو اعتبار بالهالكين، وعجيب أمر نظام بشار، فهو الخامس ولم يتعلم الدرس.

في بدايات الثورة وهي في طور الاحتجاجات المحدودة كتبت رسالةً موجزةً موجهةً إلى بشار، تمنيت فيها أن يكون هو مهاتير سوريا أو أردوغان العرب، وأن يسرع الخطوات ولا يحرق الفرص المتاحة ويستثمر عنصر الزمن؛ ليكون في صالح سوريا شعبًا وتاريخًا ودورًا، وكثيرون فعلوا مثلي، وانهالت النصائح والدعوات له أن يبادر هو ويسبق شعبه بخطوة أو على الأقل يتجاوب معهم، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، وانطلق هو ومن معه يُعيدون إنتاج ذات المشروعات الكلامية والوعود بالإصلاحات ويكرر نفس الخطابات السابقة له؛ أنه سيفعل وسوف يقدم على إنجاز كذا وكذا، ويعيد على مسامع شعبه ذات الخطابات التي ملَّها وكرهها.

وكتبت رسالة ثانية حذرت فيها من مغبة التسويف والمحاولة الفاشلة بالرهان الخاسر؛ أنه في الإمكان خداع الشعوب بترحيل الحلول إلى مستقبل قريب أو بعيد حتى تهدأ ثورة الشعب وتضعف قوته الغضوبة فيكرُّ عليهم وعلى الأخص العناصر الفاعلة منهم، تلك خطة خائبة أسقطتها ثورات الربيع العربي، وناديته بالرئيس "سوف الأسد" إذ صارت لازمة في حديثه وأحاديث رجاله ترديد كلمة "ســوف"، لكنه سار على ذات درب الأربعة السابقين عليه، يحرق الفرص المتاحة ويبدد الحلول الممكنة، ويضيع الآمال المعهودة وكأنه قدرُ الأمة ان يتوارث حكامها هذا الميراث النكد الذي امتزج فيه الغباء مع شهوة السلطة وجبروت الملك فلا يُغادرونه إلا انتزاعًا، وصدق الله العظيم؛ إذ يقول: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)) (الذاريات).

وها نحن نصل إلى نقطة خطيرة لم يعد بإمكان أحد أن يطول صمته، فصرخات الدماء كل صباح تصم آذان العالم، لا سيما أن الرجاء الذي تعلق بالجامعة العربية قد خاب منذ فترة طويلة استهلكت عدة شهور، ارتقى خلالها مزيد من الشهداء والجرحى وتعقدت الأمور أكثر وصار الموقف مشتبكًا وأكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، حتى خطوة اللجوء إلى مجلس الأمن أفشلها الفيتو الروسي الصيني وعادت الحلول إلى مربع التفكير والبحث من جديد.

مؤتمر أصدقاء سوريا المنعقد بتونس الثورة

هذا المؤتمر انعقد وانفضَّ، وبقي الأمر على ما كان، بيد أنه تبلورت خلاله عدة تصورات لحل القضية وطُرحت أفكار للخروج منها، ويمكن ردها إلى خيارين اثنين:

الأول: الخيار اليمني

وهو الأكثر ترحيبًا في الأوساط العربية والإسلامية، والذي يتضمن نقاطًا جوهريةً، وتسير على ذات نموذج الحل الذي تبنته دول الخليج في أزمة اليمن، ويتلخص هذا النموذج في:

- استبعاد التدخل العسكري.

- تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم وانتقال صلاحياته إلى نائبه وقيام نائبه بإدارة المرحلة الانتقالية التي تشغل بوضع دستور جديد لسوريا يلبي تطلعات الشعب السوري ويحقق أهدافه التي ثار من أجلها، وترتيب جدول زمني ببناء المؤسسات النيابية وانتخاب رئيس للبلاد، كما حدث في اليمن من تنحي للرئيس السابق علي عبد الله صالح ونقل صلاحياته لنائبه وترتيب أوضاع البلاد في غيبة الرئيس المتنحي قهرًا.

- هذا الخيار تتبناه الجامعة العربية وكثيرون من الدول الصديقة للشعب السوري، وهناك مؤشرات أولية طرأت على الموقف الصيني، بينما روسيا وإيران على موقفهما السابق من دعم نظام بشار.

- النظام السوري رفض ويرفض هذا الخيار ولم يبد أي استعداد للحوار مع أي طرف في هذه المبادرة، ولا أظن أن يقدم عليها؛ لسببين أساسيين: أن حجم الضغوط الدولية عليه ما زالت في الحدود الآمنة التي تسمح له بالاستمرار في محاولته الأخيرة لإخماد الثورة في حماه وحمص وإدلب، والعقوبات والإجراءات الدولية لا تنال من صلب النظام، وتسمح له بهوامش المناورة؛ علَّه يفلح ويقضي على الثورة، وحينئذ يخرج منتصرًا، لكنه في أضعف حالاته منهك القوة منقسم على شعبه، سيحتاج إلى عقود من الزمن لاستعادة قوته وتنظيم جيشه ومعاودة علاقاته الدولية كما كان، ولا شك أنَّ هذا الوضع مريح جدًّا للكيان الصهيوني وحلفائه.

والسبب الثاني أن الدعم له ما زال مستمرًّا، سواء إعلاميًّا أو سياسيًّا أو حتى عسكريًّا؛ مما يمنحه الفرصة أن يكمل الطريق الذي بدأه ويستمر في خطته التي انتهجها، وهي القضاء على ثورة شعبه، والتي تعني المزيد من القتل والقصف والحرق؛ حتى يتمكن من حياة آخر ثائر في وجه النظام.

الخيار الثاني: الخيــار الليبي

وهو البديل الذي تلوِّح به أمريكا وفرنسا وبعض الدول الغربية، ولكن في صيغة احتياطية؛ بمعنى إذا رفض بشار الأسد التنحي والحل السلمي واستمر في قتل شعبه فإنَّ العالم لن يقف مكتوف الأيدي ومن ثمَّ لا بد من التدخل عسكريًا على غرار نموذج الحل الليبي، ويصبح لزامًا على الدول الصديقة للشعب السوري أن تتدخل عسكريًا حتى يتم التخلص من بشار كما تم التخلص من القذافي.

هذا الحل لا يُعرض هكذا بصورة مباشرة واضحة، وإنما طُرحت أفكار حول تسليح المعارضة السورية وتقديم كل أوجه الدعم المادي والعسكري وتمويل حملة حرب ضد النظام المتسلح بالجيش والشرطة وعصابات الشبيحة، وهي بذلك تُصنف على أنها حرب بالوكالة، وبديهي أنه لو تم هذا التسليح تكون الحرب الأهلية قد اندلعت والقتل والإبادة وحرق الأخضر واليابس سيسود الموقف، وعندها يكون التدخل الأجنبي الغربي حلاً لازمًا وحتمية إنسانية لا معارض لها حتى بين صفوف الدول التي تناصر نظام بشار.

ومعنى هذا أننا سنكون أمام سوريا مهلهلة مفككة الأوصال، ولا ندري كيف يكون الحال في نهاية المطاف، فكل التوقعات المأساوية محتمل تحققها على الساحة السورية.

وأمام هذين الخيارين يُحبس تفكير الجميع من أنصار الشعب السوري وأعوان النظام، فهل من حلول أخرى؟ خاصةً أن الخيار الأول مرفوض من النظام وكذلك من أعوانه كروسيا والصين وإيران وآخرين، وإن بدت المواقف الأخيرة لهم تشهد تحركًا طفيفًا نظرًا لتنامي كلفة موقف الدعم لنظام بشار، والخيار الثاني مرفوض عربيًا وإسلاميًا وإنسانيًا .

هنا يأتي دور الأمة العربية حكومات وشعوبًا لتنهض بدور فعال منجز بعيدًا عن لجان قتل الوقت، وأطروحات الفرص المهداة للنظام القاتل لشعبه، ولن ينسى الشعب السوري المواقف الضعيفة أو المهادنة للنظام أو الداعمة له في الخفاء، يستلزم الأمر سعيًا جادًا في اتجاه الدول الداعمة لبشار؛ لتكون مواقفها مع الشعب السوري وليس مع النظام الذي يقتل شعبه ويكتم صوت إرادته الحرة، تستطيع الجامعة العربية- وتحت ضغط الشعوب العربية والإسلامية- أن تتبنى خيارات إيجابية وتنتهج سبلاً فاعلةً ومنجزةً تجاه تعزيز صمود الثورة السورية ودعمها بقوة وبشتى صور الدعم بما يحافظ على قوتها الثورية مع بقائها سلمية، كما تستطيع الجامعة العربية أن تنتهج طريقًا مسعفًا للأزمة تجاه الدول الداعمة لبشار روسيا والصين وإيران حتى تعدل من موقفها المخزي، لا سيما أن كوفي عنان سيبدأ هذا الأسبوع مهمته التفاوضية بصفته مبعوثًا من الأمم المتحدة وكذا من الجامعة العربية، على أن يتم اختيار شخصية عربية مرموقة لتكون نائبًا لعنان.

فهل من مبادرة تأتي في الأيام القادمة من هذه الدول الداعمة لبشار لمنحه فرصة الخروج والحصانة وتوفير اللجوء له ولأركان نظامه؛ حتى لا تتدحرج كرة النار الملتهب وتقذف بسوريا في أتون الحرب الأهلية، والأخطر من ذلك أن تندلع في المنطقة حرب طائفية يُراد لها أن تكون ويخطط أعداء الأمة لها أن تشتعل فلا تخمد أبدًا؟!

وهل من وقفة جادة من الدول العربية والإسلامية لنصرة شعب سوريا ودعمه حتى ينال ما يتطلع إليه من حرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية وحكم رشيد؟

وهل من تحرك فعال ومنجز من قبل الدول الغربية- أمريكا والاتحاد الأوروبي- يتناسب مع حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوري الذي لن ينسى أبدًا كل المواقف التي اتخذت بشأنه؟

وهل من همة عالية وإرادة فتية من شعوب أمتنا العربية والإسلامية، لا سيما الشعوب صاحبة ثورات الربيع العربي، وأحرار العالم أصحاب الضمائر الحية التي تنتصر للإنسان وحقوقه وحرياته، حتى يشكلوا ضغطًا مستمرًّا متصاعدًا على حكوماتهم بغية اتخاذ مواقف حاسمة ومنجزة تنهي مأساة شعب حر كريم يتطلع لنيل الحرية الكاملة والعيش في ظلال حكم رشيد؟

مع ثقتي الكاملة في قدرة الله تعالى الذي أسقط كل الطغاة من عاد وثمود وفرعون وهامان على مدار العصور وخلال شهر واحد رأينا سقوط نظامين من أعتى النظم القمعية في العالم، ونحن واثقون أن قدرة الله تعالى تنحاز دائمًا للشعوب الثائرة التي ترفض الظلم وتحاربه وتسعى لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

لهذا أتوجه بهذا النداء إلى كل شعوب الأرض عربهم وعجمهم، وإلى كل أحرار العالم أصحاب الضمائر الحرة أن يكونوا الآن مع شعب سورىا في محنته حتى يسقط نظام بشـار وأركانه وأعوانه وعسى أن يكون قريبًا.

-----------

* المحامي بالنقض والدستورية العليا وعضو مجلس الشعب السابق.

زائر

شكرا لمرورك قمر

اسعدني تواجدك الطيب

وبارك الله فيك

شكرا لمرورك بسمة

اسعدني تواجدك الطيب

وبارك الله فيك

» سوريا.. جرح ينزف - (م. أسامة حسنين)
» كن صحابيا((توبة أسامة بعد شفاعته في المرأة المخزومية))
» كن صحابيا((توبة أسامة بعد قتل الرجل الذي نطق بكلمة التوحيد))
» فتوح مصر وأخبارها - (ذكر ثالث قاض كان بمصر)
» الغنوشي يضع أمام بشار الأسد حلين لا ثالث لهما !