سلسلة خط الزمن((5))

زائر

بنو إسرائيل شعب تربى على الذل والقمع فكانت طبائعه الخوف والكذب والتمرد على أنبياء الله، في هذه الحلقة نتعرف أكثر على طبيعة بني إسرائيل من خلال قصتهم مع نبيهم يوشع بن نون، كما نتعرف على قصة طالوت وجالوت وموقف اليهود من الحرب، وكيف تكونت مملكة اليهود في فلسطين على يد النبي داود وابنه سليمان عليهما ..

كان بنوا إسرائيل يعبدون الله عز وجل على ملة إبراهيم عليه الصلاة السلام، وعندما وصل موسى عليه السلام إلى جبل طور وتلقى الألواح من ربه، أصبحوا يدينون بالديانة اليهودية، ومات سيدنا موسى وهو حزين لعدم تمكنه من رؤية الأرض المقدسة بعد أن خذله قومه ورفضوا الدخول، فقضى الله تعالى عليهم بالتيه أربعين سنة، ليموت خلال هذه الفترة الجيل الذي تربى على الخنوع والذل والاستعباد والكذب، والذي بدأت تظهر فيه علامات الوثنية، ويخلفه جيل أفضل منه، والذي إن كان قد ورث مجموعة من صفات الجيل السابق، إلا أنه كان يحمل بعض الحمية لدخول الأرض المقدسة، وبُعث في هذا الجيل الجديد يوشع بن نون، وهو ما يُعرف عند اليهود بـ"يشوع"، وقد ورد ذكر هذا النبي في السنة النبوية، فاستنفر نبي الله بني إسرائيل لدخول فلسطين، ودخلوها من مدينة أريحا، وكان اليوم هو يوم جمعة، وبالتالي فاليوم الموالي هو السبت، ومن المعروف أن اليهود لا يشتغلون ولا يقاتلون يوم السبت، فكان من اللازم أن ينتهي القتال قبل غروب شمس الجمعة، وإلا تعرض اليهود للهزيمة بسبب ذلك، واستمر القتال لوقت طويل حتى شارفت الشمس على المغيب، والجيوش في ذلك الوقت لم تكن تقاتل بالليل، فدعى يوشع ربه أن يوقف الشمس فلا تغرب، فأوقف الله تعالى الشمس واستمر القتال إلى أن تم النصر، وكان هذه آية واضحة لبني إسرائيل، وقد ورد هذا في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهم بمجرد أن وصلوا الأرض المقدسة حتى بدؤوا يخالفون العهد ويفعلون ما ورثوه عن آبائهم من عصيانهم وكفرهم بالله عز وجل، فأمرهم الله تعالى أن يدخلوا باب أريحا سجدا، وأمرهم أن يقولوا حطة، أي حط عنا خطايا واغفر لنا خطايا، فعصوا أمر ربهم ودخلوا الأرض بظهورهم، وبدلوا القول، فقالوا حنطة بدلا من حطة، سخرية من الكلمة التي قالها يوشع بن نون، يقول تعالى فيهم: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون } (البقرة:58-59).

هؤلاء القوم هم الذين انتصروا قبل قليل في معركة الإيمان على عدوهم، وأوقف لهم الشمس، وأرسل لهم يوشع بن نون بعد أبعين سنة في التيه، وأراهم الله الآيات تلو الآيات، لكنهم أبوا إلا الكفر والعصيان. وسبحان الله كانت هذه سنة ماضية في بني إسرائيل.
دخل يوشع عليه السلام مع قومه أرض فلسطين وكان ذلك في سنة 1190 قبل الميلاد، أي تقريبا بعد وفاة نبي الله موسى بعشر سنوات، وحكم بني إسرائيل فترة من الزمن، وكانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كما تسوس الناس ملوكهم كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، كلما هلك نبي خلفه نبي، لأن هؤلاء القوم كانوا في غاية الانحراف، فكثرة الأنبياء ليست بطبيعة الحال علامة على الصلاح، فالمسلمون بُعث فيهم نبي واحد، فبقوا على المنهج، وإلى الآن ما يزال هناك الكثير والكثير من المسلمين يرفعون الراية الصحيحة، ويتمسكون بالكتاب الصحيح ويتبعون السنة المطهرة، أما بنو إسرائيل فكلما مات فيهم نبي خالفوا وابتعدوا حتى كانوا ينكرون نبوته، فيرسل الله عز وجل نبيا آخر، بل كان أحيانا يرسل إليهم نبيين وثلاثة أنبياء في وقت واحد لشدة انحرافهم.

عاش يوشع بن نون على أرض فلسطين لفترة من الزمن، واختلف القوم في نبوته أكثر من مرة، ثم مات وبعث الله بعده نبيا ثانيا، ثم ثالثا، وهكذا حتى مضى ما يقارب 150 سنة بعد وفاة نبي الله يوشع، وكانت هذه الفترة من الفترات التي اشتد فيها انحراف بني إسرائيل تماما، حتى مكن الله عز وجل منهم الوثنيين من أهل كنعان الذين عاشوا في أرض فلسطين قبل دخول اليهود، واستطاعوا أن يسلبوهم أعز ما كانوا يملكون في ذلك الوقت وهو التابوت، الذي هو عبارة عن صندوق كان يضعون فيه بعض الأشياء المقدسة عندهم، مثل ألواح التوراة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون كبقية الملابس، وعصا موسى عليه السلام، وكانوا يتبركون بها ويحملونها معهم إلى كل مكان، فلما عصوا الله عز وجل وأفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا، استطاع الكنعانيون أن ينتصروا عليهم وأن يأخذوا منهم التابوت، وكان في هذا مذلة كبيرة جدا لليهود، الذين أحسوا بانتكاسة شديدة.

بعد مضي 150 سنة من وفاة يوشع بن نون ، ظهر فيهم نبي جديد يقال بأن اسمه صاموائيل، وهذا الإسم مذكور عندهم في التوراة، ولا يوجد له ذكر في السنة النبوية، فذهب إليه القوم، وطلبوا منه أن يجاهدوا في سبيل الله حتى يستردوا التابوت، ويستردوا مكانتهم التي ضاعت منهم بعد أن سيطر بهم الكنعانيون، فسألهم نبيهم إذا ماكانوا جادين في قتالهم في سبيل الله، بعدما خذلوا دينهم لسنوات وسنوات: {قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين} (البقرة: 244). فبعدما فرض الله عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم، حتى قبل أن تبدأ المعركة، ثم قال لهم نبيهم:{ إِنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً}(245)، وهو من القادة اليهود اختاره الله عز وجل ليكون قائدا للجيش، لكن انظر إلى رد بني إسرائيل على اختبار الله عز وجل لقائدهم: {قَالُوَاْ أَنّىَ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مّنَ الْمَالِ} (245). لقد كان لليهود فرع يتوارث النبوة وهو فرع لاوي، وفرع آخر يتوارث الملك وهو فرع يهوذا، وكلاهما كان من أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام، أي من الأسباط، وسيدنا طالوت رحمه الله كان من أبناء سيدنا بنيامين بن يعقوب، وليس من أبناء يهوذا، مع أن الله سبحانه وتعالى هو من اختاره بهذه الصورة، وجعل ذلك فتنة واختبارا لبني إسرائيل، إلا أنهم رفضوا أن يعطوا هذا الرجل هذه الإمارة لكونه ليس من نسل يهوذا، ولكونه فقيرا، وهذا ما أحدث ذبذبة كبيرة في الجيش، فتخلف عدد كبير منهم، وخرج طالوت بعدد قليل من الجنود الإسرائيليين. ولما خرجوا حدثت الفتنة عند النهر: {فَلَمّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنّي وَمَن لّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنّهُ مِنّيَ إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاّ قَلِيلاً مّنْهُمْ} (247) فشرب عدد كبير من الجند، فتخلف هؤلاء أيضا، ولم يبقى مع طالوت إلا عدد قليل جدا من الرجال. يقول عبد الله بن عمرضي الله عنهما: "كنا نعد أنفسنا يوم بدر على عدة جيش طالوت"، وكان جيش بدر يضم ما بين 313 و317 من الجند، وكان هذا هو عدد الجنود الذين ثبتوا مع طالوت من ضمن شعب كامل، وحتى هذه البقية الباقية التي خرجت للقتال، عندما أمرها طالوت بقتال جالوت قعدت عن القتال وقالت: { لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ } (247)، والذي تحرك من كل هذه الجموع كلها هو واحد فقط وهو داوود عليه السلام، وكان شابا صغيرا، وقام ومعه مقلاعه فاستطاع أن يهزم جالوت بفض الله عز وجل، وانتصر الإيمان الممثل في داوود وطالوت والقلة الباقية التي ثبتت معهم في هذا الطريق الطويل، وعاش داوود عليه السلام فترة من الزمن مع هذا النبي الذي يدعى صاموائيل إلى أن مات هذا الأخير، وبُعث داوود عليه السلام الذي قاد بني إسرائيل، وفي سنة 1004 قبل الميلاد دخل داوود عليه السلام إلى أكثر من مدينة في فلسطين، ودخل إلى مدينة القدس، وأسس ما يعرف بمملكة اليهود وهي أكبر مملكة أسست في تاريخ اليهود مطلقا حكم سيدنا داوود هذه المملكة من سنة 1004 ق.م. إلى سنة 963 ق.م. أي حوالي 41 سنة متصلة.

لم تكن مملكة اليهود تشغل من فلسطين إلا 20 ألف كيلومترا مربعا تقريبا، ومن المعروف أن مساحة فلسطين هي ما بين 26 إلى 27 ألف كيلومترا مربعا، بمعنى تقريب 74% من مساحة فلسطين، بمعنى أنه حتى أكبر مملكة في تاريخ اليهود لم تكن تشمل إلا ثلاثة أرباع فلسطين، ولم تكن تشمل أكثر من ذلك. وكانت هذه أول سيطرة إيمانية حقيقية على أرض فلسطين، حتى عندما دخلها سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما لم تكن تُحكم بالإيمان، وإنما سُمح له بالدعوة إلى الله عز وجل، وكانت فلسطين تحت سيطرة الهكسوس، مرورا بتاريخ الأنبياء السابقين، وسيدنا يوشع لم يسيطر سوى على أريحا، لكن هذه كانت أول مرة تقوم مملكة حقيقية لداوود عليه السلام. وبعده تولى الحكم سيدنا سلمينا عليه السلام، وكانت هذه فترة قوة واضحة جدا في حياة مملكة اليهود، وسيطر على نفس الأماكن التي كان يسيطر عليها أبوه، ومن الملاحظ أن القرآن دائما عند الحديث عن سيدنا سليمان عليه السلام، يصف قوته وينسبها إلى الله عز وجل، وكيف أن الله تعالى سخر له الطير والجن والريح، ولم يذكر في هذا التسخير ما فعله اليهود مساعدة لأمر الإيمان أو أمر الشريعة، فقد كانوا يُقمعون مع سيدنا سليمان عليه السلام ولكن قلوبهم كانت تبطن الكفر والبغض والعصيان، وهذا ما ثبت بعد وفاة سيدنا سلمينا، وارتدادهم على أعقابهم ونكثهم للعهود التي قطعوها مع أنبياء.

حكم سيدنا سليمان عليه السلام من سنة 963 ق.م.، إلى سنة 923 ق.م.، بمعنى أربعين سنة أخرى بعد والده داوود عليه السلام، وكانت هذه فترة قوة نسجت حولها آلاف الأساطير، والتي لا زالت تنسج إلى الآن، ومن بين هذه الأساطير هيكل سلميان، وأشهر الأماكن التي يبحثون فيها عن هذا الهيكل المزعوم هي تحت لمسجد الأقصى، ولا نرى ذلك إلا بغية هدم المسجد الأقصى بكثرة الأنفاق التي يحفرها اليهود تحته، وقصة الهيكل هته هي بطبيعة الحال قصة وهمية تماما، وذلك لما ذكرنها في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، أن سلمينا عليه السلام بنى لله مسجدا في بيت المقدس، فكل ما قام به سلمينا عليه السلام هو أنه أقام القواعد من جديد وبنى المسجد الأقصى، وليس هناك وجود للهيكل، وفي توراة اليهود وكتبهم يوجد اختلاف كبير جدا على مكان هذا الهيكل وشكله، فمنهم من يقول أنه كان من الحجارة، وبعضهم كان يقول بأنه كان من الذهب الخالص، وبعضهم كان يقول بأنه كان من النحاس المكسو بالذهب، وهناك اختلافات كثيرة جدا بينهم، وقام العلماء اليهود بحفريات كثيرة، ولكنهم لم يجدوا له أي أثر، والحقيقة أن هذه القصة هي من نسج خيالهم. وحائط المبكى الذي يصلون عنده هو حائط البراق الذي ربط عند النبي صلى الله عليه وسلم دابته في ليلة الإسراء والمعراج، وسنتعرض لها عند الحديث عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وهناك أوصاف كثيرة جدا ذكرت في حق سلميان عليه السلام مع أنه أحد أنبياء بني إسرائيل، ويفتخرون بفترة حكمه، فما بالكم بالأنبياء الآخرين الذين جاؤوا في زمان ضعف بني إسرائيل، والحقيقة كما قلنا سابقا أننا نحن المسلمون أحق بأنبياء بني إسرائيل من بني إسرائيل، لأننا نعظم ونبجل كل أنبياء الله عز وجل.

سنرى في الحلقة القادمة ماذا حدث في أرض فلسطين بعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام، وما الذي حدث لهذه المملكة الكبرى في فلسطين التي أسسها هو وأبوه، كما سنعرف أيضا واقع اليهود مع الإغريق والرومان وجل الدول التي تتالت بعد ذلك على أرض فلسطين.

اللهم انصر فلسطين

سلسلة قيمة ورائعة

بارك الله فيك بسمة

وجزاك الله خيرا

ولا حرمك الله الاجر

زائر

شكرا لمرورك شعبااااان

اسعدني تواجدك

بااارك الله فيك

زائر

شكرا لمرورك محمد

اسعدني تواجدك

بااارك الله فيك

بارك الله فيكِ أختي الفاضلة على هذه الفائدة الطيبة

جعل الله ما أفدتينا به في ميزان حسناتكِ

زائر

شكرا لمرورك الشاااافعي

اسعدني تواجدك

بااارك الله فيك

» سلسلة خط الزمن((1))
» سلسلة خط الزمن((2))
» سلسلة خط الزمن((3))
» سلسلة خط الزمن((4))
» سلسلة خط الزمن((6))