أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ( الصدِّيق في ميادين الجهاد(2))

ثانياً: في أحد وحمراء الأسد:

في يوم أحد تلقى المسلمون درساً صعباً، فقد تفرقوا من حول النبي صل الله عليه وسلم ، وتبعثر الصحابة في أرجاء الميدان، وشاع أن الرسول صل الله عليه وسلم قتل وكان رد الفعل على الصحابة متبايناً، وكان الميدان فسيحاً وكل مشغول بنفسه، وشق الصديق الصفوف وكان اول من وصل الى رسول الله صل الله عليه وسلم ، واجتمع الى رسول الله أبوبكر، وأبوعبيدة بن الجراح، وعلي، وطلحة والزبير، وعمر بن الخطاب والحارث بن الصمة، وأبودجانة، وسعد بن ابي وقاص، وغيرهم.... رضي الله عنهم وقصدوا مع رسول الله صل الله عليه وسلم الشعب من جبل أحد في محاولة لاسترداد قوتهم المادية والمعنوية( [18]).
وكان الصديق إذا ذكر أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلاً يقاتل في سبيل الله دونه، قال قلت: كن طلحة حيث فاتني مافاتني، وكان بيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب الى رسول الله صل الله عليه وسلم منه، وهو يخطلف المشي خطفاً لا أخطفه فإذا هو أبوعبيدة، فانتهينا الى رسول الله صل الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته وشج وجهه، وقد دخل في وجنتيه حلقتان من حلق المغفر، قال رسول الله صل الله عليه وسلم: عليكما صاحبكما: يريد طلحة وقد نزف فلم نلتفت الى قوله، قال: ذهبت لأنزع من وجهه، فقال أبوعبيدة أقسم عليك بحقي لما تركتني فتركته فكره تناولها فيؤذي رسول الله صل الله عليه وسلم فأرزم عليه بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ووقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة فكان أبوعبيدة من أحسن الناس هتماً...فأصلحنا من شأن رسول الله صل الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وسبعون من بين طعنة ورمية، وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه( [19]).
وتتضح منزلة الصديق في هذه الغزوة من موقف أبي سفيان عندما سأل وقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات. فنهاهم النبي صل الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم أبن أبي قحافة؟ ثلاث مرات. ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع الى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا( [20])... فهذا يدل على ظن أبي سفيان زعيم المشركين حينئذ بأن أعمدة الاسلام، وأساسه رسول الله صل الله عليه وسلم وابوبكر وعمر( [21]).
وعندما حاول المشركون أن يقبضوا على المسلمين ويستأصلوا شفأتهم، كان التخطيط النبوي الكريم قد سبقهم وأبطل كيدهم، وأمر رسول الله صل الله عليه وسلم المسلمين مع مابهم من جراحات وقرح شديد للخروج في إثر المشركين، فأستجابوا لله ولرسوله مع مابهم من البلاء وانطلقوا فعن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} (سورة آل عمران، الآية: 172): ياأبن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبوبكر لما أصاب رسول الله صل الله عليه وسلم ماأصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: من يذهب في إثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلاً: كان فيهم أبوبكر والزبير( [22]).

ثالثاً: في غزوة بني النضير، وبني المصطلق وفي الخندق وبني قريظة:

أ- خرج النبي صل الله عليه وسلم الى بني النضير يستعينهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية من بني عامر على وجه الخطأ لأن عمراً لم يعلم بالعهد الذي بين بني عامر وبين النبي صل الله عليه وسلم ، وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد، فلما آتاهم النبي صل الله عليه وسلم قالوا: نعم ياأبا القاسم نعينك على ماأحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله الى جنب جدار من بيوتهم قاعد. قالوا: فمن يعلوا على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله صل الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبوبكر وعمر وعلي فأتى رسول الله صل الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج الى المدينة، فلما استلبت النبي صل الله عليه وسلم أصحابه قالوا في طلبه فرأوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلاً المدينة. فأقبل أصحاب النبي صل الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.
فبعث النبي صل الله عليه وسلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهل النفاق يحرضونهم على المقام ويعدونهم بالنصر، فقويت نفوسهم وحمى حيي بن أخطب وبعثوا الى رسول الله صل الله عليه وسلم أنه لايخرجون، ونابذوه بنقض العهد فعند ذلك أمر رسول الله صل الله عليه وسلم الناس بالخروج إليهم فحاصروهم خمس عشرة ليلة فتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق، ثم أجلاهم على أن لهم ماحملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة فنزلت سورة الحشر( [23]).

ب-بني المصطلق:

أراد بنو المصطلق أن يغزو المدينة، فخرج لهم رسول الله في أصحابه فلما انتهى إليهم دفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق، ويقال إلى عمار بن ياسر وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة. ثم أمر عمر بن الخطاب فنادى في الناس أن قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم فأبوا، فتراموا بالنبل ثم أمر رسول الله صل الله عليه وسلم المسلمين فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم رجل واحد، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد( [24]).

جـ- - في الخندق وبني قريظة:

كان الصديق في الغزوتين مرافقاً للنبي صل الله عليه وسلم ، وكان يوم الخندق يحمل التراب في ثيابه وساهم مع الصحابة للإسراع في انجاز حفر الخندق في زمن قياسي مما جعل فكرة الخندق تصيب هدفها في مواجهة المشركين( [25]).

أبوبكرالصّدّيق رَضيَ اللهُ عَنْهُ

شخصيته وعصره

تأليف

الدكتور علي محمد الصَّلاَّبي

________________________

( [18]) مواقف الصديق مع النبي في المدينة، د. عاطف لماضة، ص27.
( [19]) منحة المعبود (2/19) نقلاً عن تاريخ الدعوة الاسلامية، ص130.
( [20]) الفتح (6/188)، الفتح (7/405).
( [21]) مواقف الصديق مع النبي في المدينة، د. عاطف لماضة، ص28.
( [22]) مسلم رقم 2418.
( [23]) البخاري، كتاب المغازي، باب حديث بني النضير (5/217)؛ مغازي الواقدي (1/363)؛ البداية والنهاية (4/86).
( [24]) البداية والنهاية (4/157).
( [25]) مواقف الصديق مع النبي في المدينة، ص32.

زائر

بااااارك الله فيك

وجزااك الله خيرااااا

شكرا لمرورك نهاد

اسعدني وجودك في موضوعي

بارك الله فيك

زائر

زائر

شكرا لمرورك بسمة

اسعدني تواجدك

جزاك الله خيرا

جزاك الله خيرا ونفع بك ..
حفظك البارئ وسدد على دروب الخير خطاك

» أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ( الصدِّيق في ميادين الجهاد(4))
» أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ( الصدِّيق في ميادين الجهاد(5))
» أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ( الصدِّيق في ميادين الجهاد(6))
» أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ( الصدِّيق في ميادين الجهاد(1))
» أبو بكر الصديق رضي الله عنه - ( الصدِّيق في ميادين الجهاد(3))