أطفالنا - ( مدرسة الحياة)

مدرسة الحياة

حتى لا يكون يوم أبنائنا كأمسنا وغدهم كيومنا، ينبغي ألا يتلاشى رصيد خبراتنا بانتهاء ما نمر به من مواقف، وما يمر بنا من أحداث، لابد أن نحاول أن يتراكم هذا الرصيد لدى أبنائنا، وذلك عبر تعليمهم كل ما نمر به من خبرات، وربما هم يستوعبون بعضها ولا يستوعبون البعض الآخر، ولكنهم على كل حال سيكونون أفضل مما كنا نحن فيه، ويكون يومهم أفضل من أمسنا، ويخططون أيضًا ليصبح غدهم افضل من يومهم، فإذا كانت نتيجة ما نحكيه لأبنائنا من خبرات حياتية، هي اكتشاف أبنائنا لطريقة أفضل في مواجهة المشكلات من طريقتنا، فلا يضيرنا اكتشافهم لقصورنا، بل نرى فيه شرفًا لنا، فنحن الذين ربيناهم وعلمناهم طرق التفكير الصحيحة.

الوعي العام بالحياة:

تفيد الخبرات السابقة أي فرد في تعديل سلوكه وتغيير ردة فعله حسب ما تعلمه من تلك المواقف، سواء حدثت له أو سمع عنها من غيره، ومن هنا تأتي أهمية أن يحكي الأب أو المربي للابن بعض أخباره، ومشاكله التي مرت في حياته ومواقفه حيال تلك المشاكل، ليحدث لونًا هامًا من ألوان التربية، وهو التربية بأحداث الحياة، وخبراتها المكتسبة من تجارب الأب الشخصية، وملاحظاته عن الحياة، ونظراته الثاقبة في المجتمع الذي يعيش فيه.
ذلك أن هذه الخبرات تجعل الأبناء أكثر قدرة على مواجهة مواقف الحياة المختلفة إذا تعرضوا لها في المستقبل، فيذكر الأب مثلًا بعض مواقفه التي تعرض لها طوال اليوم سواء مع رئيسه في العمل أو جاره أو حتى البائع، ولا يخفي مشاعر نحو هذه المواقف سواء كانت مشاعر غضب أو رضى أو استياء أو استحسان، ثم يذكر بعد ذلك كيف قام بحل تلك المشكلات أو إدارة ذلك الحوار، وكيف وفقه الله في حل المشكلة أو إدخال النافع المفيد على الطرف الآخر بهدوء؟ وهكذا يعيد الأب والمربي حكاية مشكلات حياته الواقعية أمام أبنائه تاركًا أحداثها تخبر أبناءه بلغتها دون رقابة أو تزيين لتعطيهم كل كلمة من كلماتها وكل خاطرة مرت بها، تعطيهم ما تكتمه من أسرار تمنع من التفاؤل الذي يفقد الرؤية وتفصلهم عن الواقع، أو التشاؤم الذي يبلغ مبلغ الإحباط الذي تنطفئ معه كل مشاعل الأمل.

التوفيق التربوي:

إن من توفيق الله للمربي، أن ينتهز حادة ما أو مرور موقف بأبنائه، فيعطيهم التصرف السليم في مواجهته، فيكون بذلك الأثر الطيب في نفوسهم والنافع في ردود أفعالهم الحياتية، مقتديًا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كان يربي أصحابه تربية عظيمة (يقص أحيانًا ويسأل أحيانيًا، ويستعين بالأحداث الجارية الحية أحيانًا، أو يرسم ويخطط أحيانًا، وهكذا كانت دروس الرسول صلى الله عليه وسلم ميدانصا حيًا وجذابصا لا يمل منه المتعلم لتنوعه وفعاليته ولقوة شده ولفته للنظر) [علم النفس الدعوي، د. عبد العزيز النغيمشي، ص(123)].
إن المربي الحاذق هو الذي لا يترك الأحدث والمواقف اليومية تمر مرور الكرام، دون أن يستغلها لتربية النفوس وصقلها، وغرس المفاهيم الإيمانية في أعماقها، وطرقًا لمشاعر الأبناء على الساخن لأن التوجيهات التي تأتي في هذه الحالة تكون في أعقاب حدث يهز النفس كلها هزًا، فتكون أكثر قابلية للتأثر ويكون التوجيه أفعل وأعمق وأطول أمدًا في التأثير من التوجيهات العابرة التي تأتي على البارد بغير انفعال، ولسنا في حاجة هنا للتأكيد على أن الأبناء يتعلمون منا نحن الآباء التمييز بين الأحداث التي هي مجرد أمور صغيرة مزعجة، وتلك التي تُعد من المآسي المفجعة، فليس كسر بيضة مثلًا ككسر ساق، وفقدان الابن منديله لا يعني أن يفقد الأب أعصابه وكأنها نكبة أو فاجعة.
(إن المربي لا يستطيع بطيعة الحال أن يفتعل الأحداث فهي تجري بقدر الله في الغصيرة والكبير سواء، ولكن تطبيق المنهج يقتضي منه أن ينتهز الفرص المناسبة ليلقي دروسه التربوية في الأحداث التي تقع بقدر الله والتي يرى أنها صالحة لتوجيه تربوي معين، سواء كان الانفعال بالحدث قائمًا في نفس الابن بالفعل، أو كان على المربي أن يثير ذلك الانفعال بتعليقاته عليه، حتى إذا علم أن التوهج الشعوري قد حدث داخل نفسه أعطاه التوجيه المطلوب) [منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، ص(153)].

تشكيل العقل السببي:

من ضمن الأشياء التي يجب أن يعمل المربي على تعليمها لابنه هو أن يكون شموليًا في تفكيره حت يستطيع الاستفادة من الأحداث والخبرات اليومية، فإن لكل نشاط عملي يقوم به أبناؤنا علاقة مباشرة بالطريقة التي يفكرون بها، فإذا أصيب تفكيرهم بمرض من الأمراض، أو انعدم التفكير تمامًا فإن ذلك النشاط يصبح مختلًا أو مستحيلًا، ومن أمراض التفكير الخطيرة، ما يمكن أن نطلق عليه الجزئية في التفكير، هو مرض يجعل أبناءنا ينظرون إلى الوقائع والأحداث حولهم وكأنها ذرات متناثرة لا يربطها أي رباط عضوي أو يجمعها سياق واحد، وبالتالي لا يستطيعون الربط بين أحداث الواقع الذي يعيشون فيه ليستخلصوا منها قاعدة واحدة وقانون عام يربط بين الأحداث والوقائع، ويمكن تطبيقها على كل حالة خاصة، ومن ثم تكون أكثر قراراتهم في مواجهة أحداث الحياة قرارات عاطفية لا ترتكز على مبادئ محددة أو أصول ثابتة.
(ولعلاج تلك الظاهرة، لابد للمربي غذا حدَّث الأبناء عما يجري في الواقع من أحداث أن يربط بين هذه الأحداث التي تبدو متفرقة برباطها العضوي الذي يربط بينها، وينتظم مفرداتها، كما يقوم بتنمية العقل السببي عندهم عن طريق ذكر أسباب الحوادث والظواهر في أحاديثهم معهم، كأن يقال: فلان تسوست أسنانه لأنه لم ينظفها، وفلان نجح لأنه يحافظ على وقته وفلان وجهه مشرق لأنه يكثر من ذكر الله تعار، وفلان يربح في تجارته لأنه صدوق في تعامله مع زبائنه وهكذا) [دليل التربية الأسرية، عبد الكريم بكار، ص(57)].
وهكذا يتعلم الأبناء الطريقة الصحيحة في النظر للأحداث والوقائع، ويستخلصون العبر مما يمر بهم من أحداث، وتنشأ بداخلهم محبة الحقائق والحرص على زيادة الثروة المعرفية، ومن الأساليب الناجحة في إيصال الفكرة الصحيحة إلى أبنائنا، فن السؤالن فتلك هي الطريقة الأفضل لتعليمهم، فبدل أن نعطي الابن الإجابة الصحيحة لما يريد، نحاو طرح الأسئلة المناسبة عليه، وهكذا بدل ان نعلمه بأنفسنا، نترك المشكلة ذاتها تعلمه.
ويقوم هذا الأسلوب على تنشيط طاقة الفكر عند الابن لإفهامه ما نريد أن يتعلمه في صورة حوار لا يُنسى، وصورة معرفية ثابتة، وقد رأينا مثالًا لذلك في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم حادثة إتيان جبريل للرسول وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعلامات الساعة، فقد كان من الممكن أن يخبر النبي أصحابه بهذه الأمور فيقول: الإسلام كذا وكذا، علامات الساعة كذا وكذا، لكن البيان لهذه الأمور جاء في صورة حية نابضة ومشهد لا ينسى: دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يظهر عليه أثر السف ولا يعرفه منا أحد.... هكذا صورة غريبة ومشهد لا يُنسى، فيستقر في الأذهان ما تعلق بهذا الحدث وذلك الخبر.
ومن توفيق الله تعالى للمربي أن يطرح الأسئلة على أبنائه ويلقي الاستفهامات المختلفة عليهم ليسقيهم من معين الهدي الإسلامي بقالب الإقناع والمحاججة، وحين لا يستطيع التعبير العادي تبليغ معنى من المعاني بالوضوح الكافي، فإن الرمز يصبح من وسائل التعبير الضرورية، بل إن ضرورته تكون أشد حين يدخل حديث ما في ضباب يوشك معه فحواه أن يتبخر، حيث يأتي المثال أو القصة الرمزية لتعيد الحديث غلى مجراه وتمسك معناه في اللحظة التي كاد يفلت فيه.

ورقة عمل:

ـ اجعل من الأحداث التي تمر بك أيها الوالد الفاضل مجالًا لتعليم الأبناء وتربيتهم، فتربيتك لأبنائك من خلال الأحداث اليومية والخبرات هي خير مجال لكي يستفيد ولدك، فمثلًا إذا حدث أمرًا في عملك كأن تكون خسرت صفقة كبيرة، فمن المهم أن يتعلم أولادك الدروس المستفادة من تلك الحادثة، حتى يتعلموا من الصغر تلك الخبرات الهامة.
ـ لابد أن يكون لك موعد مع أبنائك تجلس معهم وتتعرف على أهم الخبرات التي اكتسبوها في يومهم حتى تكون لهم رصيد، ليستفيدوا منها في المستقبل.
ـ هناك وسيلة عملية لكي يستفيد أبناءك من الخبرات والأحداث، وهي أن تكون لديهم مفكرة ليكتبوا فيها أهم الأحداث التي تمر بها، والدروس المستفادة من كل حدث، ولتكن متابعًا لأبنائك في ذلك، من خلال التغذية الراجعة التي تمدهم بها.

المصادر:

· دليل التربية الأسرية، عبد الكريم بكار.
· منهج التربية الإسلامية، محمد قطب.
· علم النفس الدعوي، د. عبد العزيز النغيم

بقلم : عمر السبع

زائر

شكرا لمرورك بسمة

وبارك الله فيك

» الحياة مدرسة..فماذا تعلمت منها؟؟؟
» مرئيات قناة الرحمة - ((مدرسة الحياة للشيخ احمد بلال))
» أطفالنا - ( حتى يستطيع الطفل الحياة)
» علمتني الحياة - إذا كنت تحبّ السرورفي الحياة
» المرض مدرسة !!!!!!!