التكفير عن ذنوب السياسيين - ( سلوى ياسين )

التكفير عن ذنوب السياسيين

أحاول باستمرار التفتيش في تاريخي الشخصي عن كل العوامل التي أورثتني هذا التوجس العميق من كل ما له علاقة بالسياسية، لأجد أن ذاكرتي مليئة بكمّ كبير وهائل من الأقوال المظلمة التي كانت تتردد على ألسنة الكبار من أفراد أسرتي، والتي مؤداها أن السياسة عالم كئيب وطريق شائك ومرير، إلى درجة أن الحديث أو مناقشة المواضيع المرتبطة بها كانت مرفوضة تماما داخل المنزل؛ وأضحت مفردة «سياسة» -بسبب كل تلك المحاذير التي تزاحمت في ذهني- لا تعني شيئا سوى سجون مظلمة يقبع داخلها المارقون، وحكايات فظيعة من قبيل «خرج ولم يعد»، وقصص أخرى أكثر رعبا وبشاعة عن اقتلاع أظافر السياسيين وتذويبهم...
وكل محاولاتي لفهم السياسة عبر إخوتي الذين كانوا يرتادون الجامعة باءت بالفشل، لأن النقاشات الفكرية التي ينقلونها مباشرة من الحرم الجامعي إلى المنزل لم تكن سوى أحلام تتطلع إلى إعادة ترتيب العالم، أحلام لم تنفع في شيء سوى منحنا نشوة الإحساس بأننا نفهم ونناقش ونتحدث في السياسة مثل الكبار. وكل الأغاني والشعارات التي كان يحلو لنا ترديدها لم تستطع أن تقودني إلى المعنى الحقيقي والبسيط للسياسة المتعلق بتدبير وتحقيق مطالب الناس في مجالات عدة، مثل السكن والصحة وغيرهما. وزاد من تكثيف هذا الالتباس أننا غالبا ما كنا نعرف البؤس والفوارق الاجتماعية، وفقا لما كان يُنظـِّر له «غرامشي» أو «ماركس»، لكي نهرب من الخروج إلى الأماكن العميقة التي يمكن أن نعاين فيها البؤس والفقر على الطبيعة، ونفهم بعمق كيف حوّل سوء السياسات المتراكمة حياة الناس إلى جحيم حقيقي.
كل هذا زاد من اقتناعي بأن للسياسة معاني أخرى، أبسط وأقرب إلى حياة الناس، لأنها في النهاية وجدت لتأمين حاجاتهم وتنظيمها؛ لذلك فإن أهم أدوار النخب السياسية الجديدة في المغرب اليوم هو التكفير عن ذنوب السياسيين السابقين الذين أوصلونا كمواطنين إلى حالة عدم الثقة في جدوى الانخراط في الحركية السياسية، وجعلوا بعض الناس يتنازلون عن حقهم الثمين في التصويت ويرون أن المشاركة السياسية ومراقبة عمل السياسيين، الذين يتحكمون في تدبير شؤونهم العامة، هي مجرد مضيعة للوقت.
ولعل هذه النخب الجديدة، التي ستدبر شأن المغاربة اليوم، تحتاج إلى كثير من الصدق والتضحيات لاقتلاع فتور المغاربة تجاه السياسة. وهذا، في نظري، هدف ثمين وبعيد المدى يستحق كل الوقت والجهد، فبعض الأحزاب في حملات الانتخابات الأخيرة كان معنيا بتشجيع الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع أكثر من اعتنائه المعتاد بسرد برامجه، لأن كل تلك الدعايات الفاسدة السابقة حولت لغة الوعود إلى موضة قديمة ولعبة مكشوفة القواعد لم تعد تقنع أحدا، ولم تنجح أبدا في تنظيف السمعة السيئة التي لطخت طويلا العمل في مجال السياسة.
أما بالنسبة إلينا كمواطنين، فأكثر شيء يمكن أن نساهم به في الحياة السياسية هو أن نتجنب زرع ذلك التوجس واللامبالاة والنفور من السياسة في أبنائنا، لأنها مواقف دفعنا ثمنها غاليا، ويكفي أن نشرح لهم معنى المشاركة السياسية عبر تلك القصة الموجزة التي تحكي عن طفل سأل أباه عما تعنيه «السياسة»، فكان جواب الأب أن قال: «عندما تستيقظ، يا ولدي، من نومك وتغسل وجهك وتتناول فطورك وتلبس ثيابك، وتخرج من منزلك...، في هذا الوقت بالذات تبدأ السياسة»، مع أن البعض يرى أن السياسة قد تبدأ حتى قبل الخروج من المنزل.

بقلم : سلوى يا سين

:شكرا:

شكرا لمرورك محمد

اسعدني تواجدك الطيب

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

» كيف تكفر ذنوب سنوات عدة ؟؟؟
» لا تنظروا في ذنوب الناس كانكم ارباب
» وزير الداخلية .. أكبر "كذاب" بين السياسيين الفرنسيين
» (الداخلية): الاعتداءات على السياسيين (جنائية) ونعتذر عنها
» الأمم المتحدة تطالب البحرين بإطلاق جميع "المعتقلين السياسيين"