حقيقة الاعتقاد بعيد المولد
أتدرون من المفلس؟.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي – تاريخ 11-02-2011م الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
أيها الأخوة الكرام، بعد أيام قليلة تطل علينا ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، وبادئ ذي بدء هناك جدل كبير حول إحياء ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام، والحقيقة التي يقبلها الأطراف جميعاً هو أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
[ سورة هود: 120 ]
إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً بسماع قصة نبي دونه فلأن يمتلئ قلبنا إيماناً بسماع سيرة سيد الأنبياء والمرسلين من باب أولى، شاهد آخر هو قول الله عز وجل:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ﴾
[ سورة المؤمنون:69]
معنى ذلك معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، معرفة شمائله، فضائله، كمالاته، أقواله، أفعاله، إقراره، جزء أساسي من الدين، شاهد ثالث:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
[ سورة سبأ: 46]
إذاً من خلال هذه الآيات الثلاث يتأكد أن معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم جزء أساسي من الدين، لأن كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومعرفة شمائل النبي، وأخلاق النبي، وأحاديث النبي، وصفات النبي، و أفعال النبي، وإقرار النبي عليه الصلاة والسلام، جزء من الدين، إذاً ما الذي يمنع أن نلتقي في مسجد، أو في بيت، ونتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذه الأدلة الثلاثة أدلة قرآنية على أن هذا النشاط نشط دعوي، نشاط تبليغي، نشاط إرشادي، أما إذا قلت لي: الاحتفال بعيد المولد عبادة، نقول لك: لا، العبادات توقيفية، لا يضاف عليها ولا يحذف منها، هو نشاط دعوي، هو جزء من الدعوة إلى الله، نشاط توجيهي، نشاط إرشادي، نشاط تعريفي، ولكن عيد المولد بل الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه دعوة إلى الله، إشكالية أن تصف هذا الاحتفال بأنه عبادة، فإذا قلت: عبادة، نقول لك: لا، إنه بدعة، فرق واضح جداً.
شيء آخر أوضحه بمثل: أب عظيم، عالم كبير، محقق متفوق، وله ابن جاهل وأمي، لو أمضى هذا الابن كل حياته في مدح أبيه هل يرقى درجة؟ لا ننتفع بقراءة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام إلا إذا طبقناها، تصور عالماً كبيراً له مئة مؤلف، يحمل أربع شهادات دكتوراه، له مكتب، في أثناء غياب هذا العالم المستخدم عنده أمي، قفز وجلس على كرسيه في غيبته، هذا المستخدم الأمي جلس بمكان هذا العالم الكبير هل يرقى؟ هو يرقى إذا درس، يرقى إذا سار على طريق سيده، إذا نال شهادة ابتدائية يرقى، ثم إعدادية، ثم ثانوية، ثم ليسانس، ثم دبلوم، ثم ماجستير، ثم دكتوراه، يرقى إن سار على نهج سيده، أما أن يجلس مكانه، في غيبته فهذا لا يقدم ولا يؤخر.
هذه بعض الحقائق التي لا بد منها قبل الحديث عن شمائل النبي عليه الصلاة والسلام.
شيء آخر أنت حينما تقرأ آية كريمة:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 33 ]
الآية واضحة تماماً في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن ما معنى هذه الآية بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى؟ قال علماء التفسير: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب أمته من بعده إذا كانت سنته مطبقة فيها:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 33 ]
أنت فيهم بعد موتك، أي منهجك مطبق في حياتهم، وهذا أهم درس ننتفع به في هذا اللقاء الطيب، أنت شاب طبقت سنة النبي التفصيلية في بيتك؟ في زواجك؟ في اختيار زوجتك؟ عليكم بذات الدين، في تربية أولادك؟ في كسب مالك؟ في إنفاق مالك؟ في علاقاتك الاجتماعية؟ ما دمت مطبقاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام أنت كفرد في سلام، و إذا طبقت الأمة سنة النبي عليه الصلاة والسلام هي كأمة كبيرة في سلام، لذلك ما من شيء ينهض بنا إلى الله، ما من شيء يقوي جمعنا، ما من شيء يهدي رشدنا، كأن نتبع سنة النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 33 ]
أيها الأخوة، مرة ثانية جميل جداً أن نمدح النبي عليه الصلاة والسلام، لكن الذي ننتفع به هو أن نتبعه، أن نطبق منهجه، أن نقتدي به، أن نقتفي أثره، أن نكون على طريقه، أن نكون على شاكلة أصحابه، هذا الذي يرقى بنا، المديح من دون تطبيق لا يقدم ولا يؤخر، هذه حقيقة، والإنسان قد يذهب إلى العمرة، وقد يزور مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد مزاحمة طويلة قد يستطيع أن يصلي ركعتين في المكان الذي صلى به النبي عليه الصلاة والسلام، أنا أقول لكم: افعلوها لكن لا تكتفوا بها، وحدها لا تقدم ولا تؤخر، البطولة الاتباع، والدليل:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
[ سورة آل عمران: 31 ]
وكأن الله عز وجل ربط محبته باتباع سنة نبيه:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
[ سورة الأنفال: 33 ]
في ضوء الآية السابقة قد تفسر معظم ما يجري في العالم الإسلامي، أمة شردت عن الله تعاني ما تعاني، ولا نهاية لمعاناتها، لأنها أهملت سنة هذا النبي العظيم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أنت قوي عندك محل تجاري، عندك صانع يتيم، ليس بيده شيء، بإمكانك أن تستغله، وإذا جاءت أمه ذممته لها، فضربته في البيت وهو بريء، إن طالبك بحقه تكيل له الصاع صاعين، أنت بهذه الطريقة ما أدخلت الله في حساباتك، للتوضيح أنت - لا سمح الله ولا قدر- إنسان من عامة المواطنين، تقدم للدولة وثيقة مزورة، ويبنى على هذه الوثيقة مبلغ كبير قبضته، هذا المواطن إذا ما أدخل في حساباته أنه قد يكشف هذا التزوير يكون أحمقاً، قد يكشف وإذا كشف دمر، هذا هو الحمق بذاته، هذا تمهيد، وأنت حينما تتعامل مع الخلق، مع الناس، مع من هو أضعف منك، لك زوجة أهلها فقراء، وليسوا مستعدين لاستقبالها لو طردتها، هي ضعيفة أمامك قد تتفنن في إذلالها، وقد تتفنن في أخذ مالها، وحينما لا تدخل في حساباتك أن الله سينتقم منك، فأنت في الدين لا تفهم شيئاً، خذوا هذه القاعدة؛ تنطبق على الزوج في البيت، وتنطبق على أقوى إنسان في البلد، إذا ما أدخل الله في حساباته عندئذ يأتيه البلاء من حيث لا يحتسب، مع الله عز وجل لا ينتفع الذكي بذكائه، ولا ينتفع القوي بقوته، ولكن مع الله عز وجل ينتفع المستقيم باستقامته، والذي أتمناه عليكم قبل أن تقول كلمة، قبل أن تعرض عن إنسان، قبل أن ترفع صوتك، قبل أن تضرب بيدك، قبل أن تقطع علاقاتك مع جهة، أدخل الله في حساباتك، الله كبير، كل مكانة الإنسان، وكل هيمنته، وكل قوته، وكل ما يملك من أوراق رابحة، هذه تتلاشى في دقيقة، وترون، وتسمعون، كل أسباب القوة موجودة بلحظة واحدة فقدت كل هذه الأوراق، أليس كذلك؟ هناك موعظة.
(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، أن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري -إلى الأخبار- عبرة ))
[أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة]
لو أنك تملك كل أسباب القوة، تملك كل أسبابها، ولم تكن ترضي الله عز وجل في دقائق وفي يوم واحد يسحب البساط من تحت قدميك، وتلقى نتيجة عملك، أين الأوراق الرابحة التي تملكها؟ تلاشت، لا شيء، لذلك الله عز وجل حينما وصف ذاته العلية، قال:
﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾
[ سورة هود ]
أما أنت أيها الإنسان فلست فعالاً لما تريد، أنت قوالاً لما تريد، تتكلم الكلام إذا وافق الواقع نسمعه، فإذا خالفه نحتقره ولو كنت فصيحاً، ولو كنت متكلماً، الله عز وجل فعال لما يريد، في أية لحظة يسحب البساط من تحت قدميك، في أية لحظة ولو أنك تملك كل الأوراق الرابحة، ولو أنك تملك كل أسباب القوة، في لحظة واحدة تسحب من تحت قدميك البسط، مهما تكن كثيرة.
أيها الأخوة، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، لا ينفع مع الله ذكاؤك، ولا تنفع قوتك، ولا تنفع هيمنتك، ولا تنفع كثرة من حولك، لا ينفعك مع الله إلا استقامتك، لا ينفعك مع الله إلا خوفك من الله، الذي لا يدخل الله في حساباته هو أغبى الأغبياء، هو أحمق الحمقى، هو أجهل الجهلاء، الذي لا يدخل الله في حساباته، لما أنت تقدم وثيقة لموظف، وهذا الموظف إنسان مثلك تماماً، وقد تكون أذكى منه، لكن أدخل في حساباتك أن هذه الوثيقة قد يطلع عليها موظف آخر أذكى منك، يكشف أنها مزورة وعندئذ تدمر تدميراً كاملاً، فأنت حينما لا تدخل الله عز وجل في حساباتك فأنت ترتكب حماقة ما بعدها حماقة، والإنسان الجاهل يتحرك وينسى أن الله موجود
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع